قدم أعرابي على معن بن زائدة وهو امير على العراق، وكان الاعرابي قد سمع الشيء الكثير عن سماحة معن وكرمه وحلمه فلما وقف الاعرابي امامه خاطبه دون تحية قائلاً له بكلام فج:
أتذكر إذ لحافك جلد شاةٍ وإذ نعلاك من جلد البعير
فقال معن: اذكر ذلك ولا انساه
فقال الأعرابي: فسبحان الذي أعطاك مُلْكا وعلمك الجلوس على السّرير
فقال معن: سبحان الله وبحمده..
قال الأعرابي:
فلست مسلما إن عشت دهراً على معنٍ بتسليم الأمير
قال معن يا أخي السلام سُنة وهذا شأنك، فإن سلمت رددنا عليك، وإن لم تفعل فلا تثريب عليك.
فقال الأعرابي: سأرحل عن بلادٍ أنت فيها ولو جار الزمان على الفقير
فقال معن: ان جاورتنا فمرحباً بك، وان رحلتَ فمصحوب بالسلامة.
فقال الاعرابي:
فَجُد لي يا ابن ناقصة بشيءٍ فإني قد عزمتُ على المسير
فقال معن أعطوه ألف دينار يستعينُ بها على سفره فأخذها الأعرابي وقال:
قليل ما أتيت به وإني لأطمع منك بالمال الكثير
فقال معن اعطوه الفاً أخرى فأخذها الأعرابي وقال:
سألت الله أن يبقيك ذخراً فما لك في البرية من نظير
فأمر له بألف دينار فقال الأعرابي:
يا أمير ما جئت إلا مختبراً حلمك، لما بلغني عنك، فقد جمع الله فيك من الحلم لو قسم على أهل الأرض لكفاهم.
فقال معن يا غلام كم اعطيته على نظمه قال ثلاثة آلاف دينار فقال: اعطه على نثره مثلها.
-----------------------------------------
ولمعن حوادث مشهورة في الكرم والاغاثة والمروءة.
وكان معن في اول امره ضد العباسيين ومدحه مروان بن ابي حفصة كثيرا، فاختفى مدة ثم ظهر واعتمَّ، وتلثم وتقدم يقاتل امام المنصور الخليفة العباسي حتى فرق القوم عنه، فقال له المنصور: من انت؟ فقال: انا طِلّبتك يا امير المؤمنين معن بن زائدة. فأمنه المنصور واكرمه، وصار من خواصه. ثم دخل عليه ذات يوم بعد ذلك، فقال له: هيه يا معن، تعطي مروان بن ابي حفصة مائة الف درهم على قوله: معن بن زائدة الذي زيدت به شرفاً على شرفٍ بنو شيبان
فقال معن: كلاً يا أمير المؤمنين، انما اعطيته على قوله في القصيدة:
ما زلت يوم الهاشمية معلنا بالسيف دون خليفة الرحمان
فمنعت حوزته وكنت وقاءه من وقع كل مهند وسنان
فقال المنصور: أحسنت يا معن. وقال له المنصور يوما: ما اكثر وقوع الناس في قومك. فقال: يا أمير المؤمنين:
إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا
وقال مروان بن ابي حفصة في مدح معن بن زائدة الكثير حتى غار المنصور وغيره على هذا المديح الذي لم يقل فيهم احد مثله .. وهذا قول مروان بن ابي حفصة في معن بن زائدة:
هم القوم إنْ قالوا اصابوا وان دُعوا اجابوا وان اعطوا اطابوا واجزلوا
وما يستطيع الفاعلون فعالهم وان احسنوا في النائبات واجملوا
بهاليل في الاسلام سادوا ولم يكن كأولهم في الجاهلية اول
ولما قتل معن رثاه الشعراء، ومنهم مروان بن ابي حفصة رثاه بقصدة اولها:
مضى لسبيله معنٌ وأبقى مكارم لن تبيد ولن تنالا.