الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
الأحد 27 نوفمبر 2011
الصديق
رجل الهجرة وإمام الأمة/2
إجماع المهاجرين والأنصار على بيعة الصديق
لقد أجمع المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم على بيعة الصديق وإمامته. وإجماع المهاجرين والأنصار حجة شرعية كاشفة عن مراد الله تعالى ورضاه: فقد أوجب الله تعالى على أجيال الأمة جميعاً اتباع المهاجرين والأنصار فقال: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) (التوبة:100). وحذر من مخالفتهم فقال: }ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً { (النساء:115). وما المؤمنون عند نزول الآية غير المهاجرين والأنصار.
إن إجماع الأمة في جيل من الأجيال حجة شرعية. فكيف بإجماع من نصَّ الله على وجوب اتباعهم وحرمة مخالفتهم، وشهد على صدق إيمانهم فقال: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم معفرة ورزق كريم) (الأنفال:74)؟!
وإذا كان الإمامية يشترطون للإجماع وجود (المعصوم) فإن علياً رضي الله عنه - الذي يعتقدون بعصمته - كان من ضمن المجمعين على بيعة الصديق رضي الله عنه ، فبيعة الصديق شرعية على جميع المذاهب. وتخلف واحد أو اثنين ليس حجة على المجموع. بل المجموع حجة على المخالف. ومخالفته شذوذ واتباع لغير سبيل المؤمنين.
والذي عليه المحققون أن بيعة الصديق رضي الله عنه لم يتخلف عنها أحد. وإن كان علي قد تأخر - هو والزبير - رضي الله عنهما بعض الوقت فإنما لكونهما قد وجدا في نفسيهما بسبب أنهما أُخرا عن الشورى(1). وعذر أبي بكر رضي الله عنه أن الظرف لم يسعفه لذلك، وإلا حسم الأمر لصالح الأنصار. ثم بايعا في اليوم الثاني وتابعا(2). وقد قيل إن علياً بايع بعد ستة أشهر، والصحيح أن هذه البيعة تجديد وتأكيد للبيعة الأولى؛ فإن علياً رضي الله عنه لم يفارق أبا بكر في وقت من الأوقات قط، وكان له في حروب المرتدين خير ظهير. ومهما كان فإنه بايع آخر الأمر، والأمور بخواتيمها. وأما سعد بن عبادة رضي الله عنه فقد بايع أيضاً. وهذا هو الصحيح الثابت عنه(3). وما قيل بخلافه فإنه لم يثبت. وإنما هو من وضع الرواة(4). ولو صح فالحجة على من لم يبايع - كائناً من يكون - وليست له. ولقد تخلف عن بيعة علي رضي الله عنه كثير من الصحابة رضي الله عنهم. وليس ذلـك- عند الجمهور- بضائره؛ لأن الإجماع ليس شرطاً في البيعة. ولكن إذا حصل كان حجة واضحة ملزمة، ودلالة كاشفة عن رضاء الله تعالى - كما هي الحال في بيعة أبى بكر وعمر وعثمان - لأن الله لا يجمع أمة الإسلام على ضلالة. والإجماع حجة شرعية.
حتى مصادر الشيعة روت هذا الإجماع، وعلى لسان علي نفسه! كما جاء في كتاب (نهج البلاغة): (إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى)(5).
وليس ذلك - كما يقول البعض – موضوعاً مجاراة لحجة الخصم من باب إبطال حجته بإلزامه بما يلزم به نفسه؛ لأن النص يقول: (وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضا). والقول بأن الله راض عمن أجمع عليه المهاجرون والأنصار لا يمكن أن يصدر مجاراةً وإلزاماً، وإنما اعتقاداً والتزاما.
فكيف إذا أكده بذكر ترتيب العقوبة الشديدة المغلظة (القتل) على الخارج الطاعن في بيعة من أجمعوا على بيعته: (فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه الى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه)! قاتلوه على ماذا؟ (على اتباعه غير سبيل المؤمنين) أي المهاجرين والأنصار.
لقد انعقد الإجماع التام على بيعة أبي بكر رضي الله عنه وهذا دليل على أنه أفضل الأمة وأولى الصحابة رضي الله عنهم بالإمامة. وإلا فلو رأى الصحابة غيره هو الأولى لقدموه. فلما أجمعوا على بيعته - وإجماعهم حجة - دل ذلك على أنه الأفضل والأولى بالإمامة والخلافة، لا سيما وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه للصلاة إماماً بالمسلمين في مرضه الأخير قبل وفاته. وهذه تزكية ما بعدها مثلها لأنها صادرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه. ولهذا ورد في مصادر الشيعة قول علي والزبير رضي الله عنهما: (إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وثاني اثنين ولقد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة وهو حي)(6).
والفرق واضح بين الخليفتين أبي بكر وعلي رضي الله عنهما في تحقق الإجماع! إذ أن الإجماع قد انعقد على أبي بكر دون علي الذي لم يبايعه بعض الصحابة أصلاً، وبايع بعضهم مكرها، وبايع آخرون لكنهم اعتزلوا. وكلهم مجتهد في طلب الحق: فمخطئ ومصيب. والكل مغفور له مأجور: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) (الحشر:10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- روى ابن أبي الحديد أن علياً والزبير قالا: (ما غضبنا إلا في المشورة وإنّا نرى أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار وثاني اثنين ولقد أمره الرسول (ص) بالصلاة وهو حي)/ شرح نهج البلاغة ج6 ص48.
2- صححه ابن كثير في البداية والنهاية 5/249 نقلاً عن (أبو بكر الصديق) للدكتور علي محمد الصلابي ص182 .
3- روى الإمام أحمد عن حُمَيد بن عبد الرحمن أن أبا بكر قال: (ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: »قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجر الناس تبع لفاجرهم« قال: فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء).
4- من رواية الإخباري التالف أبي مخنف لوط بن يحيى [انظر: الصلابي ص130] الذي شوه تأريخ الإسلام. أما متنها فلا يستقيم مع ما هو معروف من شخصية سعد بن عبادة، ولا ما هو معروف من أخلاق الصحابة. فالرواية باطلة سنداً ومتناً.
5- نهج البلاغة 3/7.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/332.