نشمي مشرف
عدد المساهمات : 228 تاريخ التسجيل : 23/05/2008
| موضوع: هكذا علمتني التوثية الأحد يناير 08, 2012 11:24 am | |
| هكذا علمتني التوثية الكاتب: عبد الله الدليمي (*):: خاص بالقادسية
(بانتظارك خبر سار يغير مجرى حياتك ويملأ قلبك سرورا. يوم السعد الاثنين- رقم الحظ 10).
هذا ما قرأته في فقرة (برجك لهذا اليوم) في إحدى الصحف يوم كنت صغيرا، فقد كنت أصدق مثل هذه الخزعبلات جهلا مني. (وأرجو ألا تسألوني عن برجي... أستحي). بدأتأعد الساعات لمجيء يوم الإثنين وكأنها أيام، وكنت أتساءل في نفسي: يا ترى ما هو الخبر السار الذي سأتلقاهيوم الإثنين؟ هل سيفي أخي الأكبر بوعده ويشتري لي (بايسكل) بمناسبة نجاحي؟ أم تراه سيشتري لي ملابس رياضية (أكشخ) بها أمام زملائي في فريق القرية الذي كان يحصل دائما على المركز الأول في بطولات الفرق الشعبية – من الأسفل؟ وجاء يوم الإثنين، وكلي استنفار لتلقي الخبر السعيد. فانقضى الصباح دون شيء، فقلت لعل الخبر يأتي ظهرا. وانتهت الظهيرة دون جديد. وقبيل أفول شمس ذلك اليوم، وتحديدا عند وصولها قمة نخلتنا (التي لدغني فوقها زنبور قليل الأدب)، دخل علي أخي الاكبر بتوثية([1]) لا أراكم الله مثلها في الدنيا ولا في الآخرة... ولم يتركني الا بعد ان كسرها على ظهري. وكان أخي (ابو قلب حنين) هذا- أثناء قيامه بالواجب معي- يصرخ بصوت ذكرني بكعكي: "كم مرة قلت لك لا تشخبط عالحايط... يعني انت ما تجي ألا بالعين الحمرة؟" (ويا ليتها كانت مجرد "عين حمرة" أو أي لون آخر.. ولا توثية). أعترف لكم أني كنت أمارسكتابة بعض العبارات والرسومات على أي جدار نظيف يصادفني، لكني أقسم لكم أن ما كنت (أشخبطه) لم يكن شعارات تدعو إلى إسقاط أخي أو إعدامه أو إحالته إلى محكمة لاهاي (ولا ذيچ)، وإنما مجرد (قلب حب يخترقه سهم وعبارات غرامية من قيس دون ليلى- ليس إلا). وقد تعجبون من قسوة قلب أخي الذي رأى العصا تتكسر على ظهري ولم يشفقعليها. لكن لا داعي للعجب، فما أكثر التواثي في قرية أكثر أشجارها التوت (وفي رواية: التكي)! بعد أن تجاوزت الصدمة وبدأ ألم التوثية بالتلاشي، سألت نفسي: "أهذا هو الخبر السار الذي بشرني به برجي والذي ملأ ظهري قروحا بدلا من ملء قلبي سرورا؟" لقد حرمت على نفسي - منذ تلك اللحظة – قراءة أي برج، وكرهت كل ما يذكرني بذلك (حتى برج الاتصالات مال البَعلوان)، وكرهت كل ثيران القرية - بما فيها ثورنا الذي لا ذنب له سوى صلة قرابته ببرجي (أرجو ألا أكون قد كشفت عنه). لكن مهلا... فلقد كان هناك خبر سار فعلا، غيرَ أنه جاء متنكرا بهيئة تلك التوثية - التي نبهتني إلى أمرين مهمين: 1- بطلان مزاعم المنجمين في ادعائهم علم الغيب، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله. 2- الأمور تأخذ بجواهرها لا بظواهرها. فقد يكون الخير فيما نراه شرا. فتعرضي للضرب بتلك التوثية، وإن كان مؤلما (والذي لا يصدق يجرب!)، إلا أنه صحح لي خطأ عقائديا مهما. ولو أن أخي قد دخل علي بهدية بدل التوثية لرسخ اعتقادي الخاطئ بالمنجمين (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). (البقرة: 216) هذه هي الحياة... مليئة بالدروس والعبر لمن يعتبر. فتعالوا معي نتجاذب أطراف الحديث عن توثية أخطر بكثير من توثية أخي، وهي.... توثية المالكي منذ أن أمسك الشيعة بزمام السلطة في العراق – بمساعدة المحتل الأمريكي- وأهل السنة يتلقون شتى أنواع "التواثي" على يد حكومة العصابات الشيعية، لا لأنهم (يشخبطون على جدران) العراق بل لأنهم يريدون حمايتها وصونها وتطهيرها من دنسهم. فلا يكاد يمر يوم على الجسد السني دون أن يتلقى فيه (توثية من تواثي المالكي) على أماكن مختلفة منه: يوماً في الأنبار، وآخر في صلاح الدين، وثالثاً في ديالى، ورابعاً في الموصل، أو في أكثر من مكان في يوم واحد. لكن توثية المالكي تختلف عن توثية أخي من وجوه كثيرة، أهمها: 1) توثية أخي كانت واحدة، في حين إن تواثي المالكي متعددة. 2) توثية أخي استهدفت شخصا واحدا، أما تواثي المالكي فتستهدف أمة. 3) توثية أخي كانت تأديبية ولا تستخدم إلا لمعالجة خطأ، أما تواثي المالكي فانتقامية حاقدة وتستخدم لسبب أو دون سبب. 4) توثية أخي كانت ذات تأثير محدود وقصير الأمد، أما تواثي المالكي فذات تأثير كبير وبعيد الأمد. 5) توثية أخي كانت بيد أخ أكبر، أما تواثي المالكي فهي بيد عدو أكبر. 6) كان مبرر أخي في استخدام توثيته واضحا ومعلنا وهو (شخبطتي على الحائط)، وكان محقا في ذلك، فآثار (الجريمة) – التي حملت توقيعي - كانت لا تزال ماثلة للعيان ولا مجال لإنكارها. أما مبررات المالكي فملفقة لا دليل عليها ولا أثر رغم تعددها وتنوعها: إرهاب.. انتماء للبعث... انقلاب على الحكم، إلخ. إن التوثية الكبرى التي بيد المالكي هي السلطة- التي فرخت له تواثي أخرى مختلفة الأحجام والأشكال: الجيش، الشرطة، القضاء، المال العام، المليشيات، الخ. متى نستيقظ؟ على إخواني السنة أن يدركوا أن السبب الحقيقي وراء استهدافنا في دمائنا وديننا وأعراضنا وأموالنا وحرياتنا هو أننا سنة – فهم يكفروننا ويستحلون قتلنا وبإجماع أئمتهم. أما ما يطلقونه من تهم زائفة مثل الإرهاب والانتماء للبعث فهي مجرد محاولة لستر نواياهم الحقيقية التي لا تنطلي إلا على جاهل بدينه ودينهم. والآن، السؤال الذي يجب طرحه: متى توقظنا هذه (التوثية الشيعية) لننتبه إلى حقيقة الصراع ودوافعه وحيثياته، ومتى نأخذ الدرس لنعرف أنه لا تعايش مع قوم يكفروننا ويستبيحون دماءنا وأموالنا وكرامتنا؟ ومتى نعي أن القوة هي العلاج الوحيد الذي يناسب الشيعة، وأنهم إن حَكَموا تغولوا وظلموا، وإن حُكِموا ادعوا المظلومية ومارسوا النفاق والغدر؟ إن علينا واجبا دينيا وأخلاقيا ووطنيا يحتم علينا مواجهة هذه العصا الشيعية بخيارات ذات مستويات ثلاثة: الأول: أن نعمل على سلبهم هذه العصا لتكون بأيدينا - فنحن أحق بها وأهلها. الثاني: أن نمتلك عصا نقابل بها عصا الشيعة لنكف أذاهم ونكون ندا لهم. الثالث: أن نعمل على تقصير عصا الشيعة وتفادي ضرباتها أو التقليل منها- وهذا هو الحد الأدنى الذي هو أفضل من لا شيء. وحيث إن الخيار الأخير هو الأسهل والأسرع تحقيقا، فلا بد من التركيز عليه كمرحلة أولية نطمح من بعدها إلى تحقيق الخيارين السابقين. ولعل أبرز وسائل هذا الخيار المتاحة حاليا هو مشروع الأقاليم؛ فهو كفيل بتقصير "توثية" المالكي الدموية وتقليل أذاها. وقد أدرك ذلك إخواننا في محافظتي صلاح الدين وديالى، وهذا ما يفرحنا. لكن المؤسف أن نجد نخبا من بني جلدتنا يقفون في طريق هذا الخيار ويتهمون الداعين إليه بالخيانة - بدلا من تشجيعهم؛ فلا هم قدموا حلا بديلا ولا أكرمونا بسكوتهم وتركوا غيرهم يعمل ( يبدو أن "توثية" المالكي قد راقت لهم).
([1]): عصا غليظة، لعل تسميتها جاءت من التوت - يلفظ "توث" في العراق- وهو الشجر الذي تؤخذ منه على الأغلب (لست متأكدا). | |
|