صوت صفير البلبلِ

مشرف عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009

يحكى أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كان قد أصدر أمراً يقضي بأن لا يدفع أي مال لأي شاعر يلقي عليه قصيدة مالم يكن هو قائل الأبيات، و ما لم تكن القصيدة غير مسموعة من قبل، و تضمن الأمر أيضاً أن من ألقى قصيدة وفق شروط الخليفة فجائزته أن يعطى وزن الذي كتبه عليها ذهباً.
لكن المنصور كانت ذاكرته قوية، و كان يحفظ القصيدة إذا سمعها لمرة واحدة، و كان له غلام يحفظ القصيدة إذا سمعها لمرتين و كانت له جارية تحفظ القصيدة إذا سمعتها لثلاث مرات. فكان إذا انتهى الشاعر ادعى المنصور أنه سمعها من قبل، فإذا طلب إليه الشاعر سردها أعادها عليه دون أن ينقص منها شيئاً، و عندما يصاب الشاعر بالدهشة يقول له الخليفة: لست وحدي من يحفظها، بل هناك غلام غيري يحفظها، فينادي الغلام الذي يكون قد سمع القصيدة لمرتين فيلقيها، و عندها يقول الخليفة: و هناك جارية تحفظها كذلك، فينادي الجارية التي تكون قد سمعتها لثلاث مرات، فتلقيها فيخرج الشاعر يضرب كفاً بكف
أصيب الشعراء بالخيبة والإحباط، فسمع الأصمعي بذلك فقال: إن في الأمر لمكر، فأعد في تلك الليلة قصيدة، و لبس في اليوم التالي لبس الأعراب وتنكر، حيث إنه كان معروفاً لدى الأمير. فدخل على الأمير وقال: أنا شاعر من أعراب الموصل، و إن لي قصيدة أود أن ألقيها بين يديك، و لا أراك سمعتها من قبل، فقال له الأمير: هات ما عندك، فقال:

صـوت صــفير الـبلبـلِ *** هيج قـــلبي الثمــلِ

المـــــــاء والزهر معاً *** مــــع زهرِ لحظِ المُقَلِ

و أنت يا ســـــــــيدَ لي *** وســــــيدي ومولى لي

فكــــــــم فكــــم تيمني *** غُـــزَيلٌ عقــــــــــيقَلِ

قطَّفتَه من وجــــــــــنَةٍ *** من لثم ورد الخــــجلِ

فـــــــقال لا لا لا لا لا *** وقــــــــد غدا مهرولِ

والخُـــــوذ مالت طربا *** من فعل هـــذا الرجلِ

فــــــــولولت وولولت *** ولـــــي ولي يا ويل لي

فقلت لا تولولـــــــــي *** وبيني اللؤلؤ لــــــــــي

قالت له حين كـــــــذا *** انهض وجــــــد بالنقلِ

وفتية سقــــــــــــونني *** قُــهيوة كالعسلِ

شممـــــــــــتها بأنفي *** أزكـــــــى من القرنفل

في وســط بستان حلي *** بالزهر والســـــرور لي

والعـــود دن دن دن لي *** والطبل طبطب طب لـي

طب طبطب طب طبطب *** طب طبطب طبطب طب لي

والسقف سق سق سق لي *** والرقص قد طاب لي

شـوى شـوى وشــــاهش *** على ورق ســـفرجلِ

وغرد القمري يصـــــيح *** ملل فـــــــــــي مللِ

ولــــــــــــو تراني راكبا *** علــــى حمار اهزلِ

يمشي علــــــــــــى ثلاثة *** كمـــــشية العرنجلِ

والناس ترجــــــــم جملي *** في الســوق بالقلقللِ

والكـــــــــل كعكع كعِكَع *** خلفي ومـــن حويللي

لكـــــــــــن مشيت هاربا *** من خشـــية العقنقلِ

إلى لقاء مــــــــــــــــلك *** مــــــــــعظم مبجلِ

يأمر لي بخـــــــــــــلعة *** حمـــراء كالدم دم لي

اجــــــــــــر فيها ماشيا *** مبغــــــــــدداَ للذيلِ

انا الأديب الألمــعي *** من حي ارض الموصلِ

نظمت قطــــعا زخرفت *** يعجز عنها الأدوءلي

أقول في مطلعــــــــــها *** صوت صفير البلبلِ

حينها اسقط في يد الأمير و نادى: يا غلام، يا جارية ..
قالوا لم نسمع بها من قبل يا مولاي، فقال للشاعر: احضر ما كتبتها عليه فنزنه ونعطيك وزنه ذهباً، قال: يا أمير المؤمنين، ورثت عمود رخام من أبي وقد كتبتها عليه، لا يحمله إلا عشرة من الجند. فأحضروه فوزن الصندوق كله.
قال أحد الوزراء: يا أمير المؤمنين ما أراه و الله غير الأصمعي، فقال الأمير أمط لثامك يا أعرابي. فلما أزال اللثام إذا به الأصمعي. فقال الأمير: أتفعل ذلك بأمير المؤمنين يا أصمعي؟ قال: يا أمير المؤمنين قد قطعت رزق الشعراء بفعلك هذا. قال الأمير: أعد المال يا أصمعي قال: لا بشرط. قال الأمير: فما هو؟ قال أن تعطي الشعراء على نقلهم ومقولهم. قال الأمير لك ما تريد.

عدد المساهمات : 115 تاريخ التسجيل : 19/12/2009

والله لو أقعد مئة سنة على أن أحفظها ما راح أقدر أحفظها

مشرف عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009

حاول ..
بوركت على مرورك الذي نور الموضوع.

عدد المساهمات : 11 تاريخ التسجيل : 02/01/2010

السلام عليكم الموضوع جدا جميل
بارك الله بيك

مشرف عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009