| شبهات النصارى حول الإسلام، كتاب كامل للدكتور منقذ السقار | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: شبهات النصارى حول الإسلام، كتاب كامل للدكتور منقذ السقار الخميس يناير 12, 2012 10:57 am | |
| تمهيد
كشف علماؤنا بجهودهم المباركة حقيقة النصرانية المحرفة ، و أبانوا عن زيغها و تحريف كتبها ، و امتدت عقيدة الإسلام في البيئات النصرانية ، و سرت فيها سريان الهشيم في النار ، و ما يزال الإسلام يتقدم إلى قلاع النصرانية الحصينة يدق أبوابها بنوره العظيم.
و لمواجهة الشمس الساطعة اجتهد الغرب النصراني في بناء أسوار من الكذب و البهتان يريد من خلالها أن يحجب الضياء ، بل و اجتهد النصارى في إضلال عوام المسلمين بإثارة الشبهات حول هذا الدين ، و لتصور عظم هذا الخطب ينقل ديدات عن ادوارد سيد في مقال له في مجلة " تايم " في إبريل 1979م قوله: " إن أكثر من ستين ألفاً من الكتب ألفت ضد الإسلام بواسطة المسيحيين الغربيين"، فكم ألف بواسطة الشرقيين !!
و لا ريب أن جهود علمائنا إزاء هذا الطوفان من الإضلال و التضليل مباركة مشكورة، غير أننا بحق نحتاج إلى المزيد من الدراسة و البحث الذان يتناسبان و شراسة الهجمة و أهمية الموضوع.
و قد كانت الموضوعات التي ركزت عليها الدراسات النصرانية كالتالي :
1-التشكيك في مصدرية الإسلام. 2-الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم. 3-الطعن في القرآن الكريم. 4-الطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. 5-الطعن في تاريخ الإسلام على مر العصور. 6-الزعم بأن القرآن قد حوى في دفتيه ما يؤيد المعتقدات و الكتب النصرانية.
و في جهدنا المتواضع نعرض نماذج من جهود علمائنا في الكتب التي اختصت بمقارعة النصرانية بعيداً عن تلك الجهود المباركة التي وضعت للرد على الدراسات الاستشراقية التي يقوم بها اليهود وغيرهم من علمانيي الغرب وملاحدته.
و الذي يدعونا إلى هذا ضيق هذه الدراسة عن مثل هذا الموضوع الكبير.
عدل سابقا من قبل المحارب اليقظ في الخميس يناير 12, 2012 11:24 am عدل 1 مرات | |
|
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: المطلب الأول: منهج النصارى في شبهاتهم عن الإسلام الخميس يناير 12, 2012 11:01 am | |
| و قبل أن نلج في عرض نماذج للشبهات التي أثارها النصارى على عقائد الإسلام المختلفة نقف على بعض ملامح المنهج الذي اختطه النصارى في إثارة الشبهات حول الإسلام ، فقد شاب فهمهم للإسلام الكثير من الغبش ، وكانت فكرتهم عن الإسلام خليط من ذلك الغبش و الحقد الذي تكنه صدورهم للحق الذي سطع فحجب الضلال بضيائه وحجته.
وأهم مايذكر هنا هو الكذب والتحريف والمغالطة من النصارى الذين تصدوا لنقد الإسلام ودراسته.
الكذب و التلاعب في النصوص :
مارس النصارى الكذب في نقدهم لهذا الدين ، و من ذلك قول وهيب خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس " في سياق حديثه عن معجزات المسيح المذكورة في القرآن، فيقول: "و إن كان بعض المفسرين يحاولون أن يقللوا من شأن السيد المسيح في المقدرة قائلين : إنه يصنع هذا بأمر الله ، فنجد أن الإسلام يشهد بأن هذه المقدرة هي لله فقط ".
و من المعلوم عند كل مسلم أو مطلع على القرآن الكريم أن الذي أحال معجزات المسيح إلى قدرة الله و إذنه هو القرآن الكريم و ليس مفسروه .
و من الكذب أيضاً ما قاله صاحب كتاب "الحق" حين زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات انتظر المسلمون قيامه كما قام المسيح، فلما لم يقم ارتد المسلمون عن الإسلام" .
و من المعلوم أن القرآن صرح بمثلية رسول الله لسائر البشر في خاصية الموت، و قد صرح القرآن بموته، و لم يرد شيء فيه أو عن رسولنا يفيد قيامته صلى الله عليه وسلم من الموت ، و قد روي عن عمر أنه قال مثل هذا القول لحظة ذهوله عند فاجعته برسول الله صلى الله عليه وسلم و سرعان ما أفاق منه.
و أما حركة الردة فقد بدأت إبان حياته صلى الله عليه وسلم بظهور الأسود العنسي ، و فشت بعد وفاته، و لم يكن من دواعيها مثل هذا القول الذي ذكره النصراني.
و من الكذب أيضاً قول القس شروش و هو عربي فلسطيني في مناظرته لديدات أمام جمهور من الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، فيقول مكذباً القرآن في عربيته: " لكن محمداً استعمل كثيراً من الكلمات و الجمل الأجنبية في القرآن ، و هذا يترك كثيراً من التساؤل عند الناس إن كانت لغة الله غير كافية بحيث تحتاج إلى عدة لغات أخرى… في كتاب ادعي أن الله أوحاه بالعربية" ، و بالطبع لا يوجد في القرآن جملة غير عربية ، فقد نزل بلسان عربي مبين .
و من الكذب أيضاً قوله: " المسلمون غير العرب يشعرون بأنهم مجبرون أن يحفظوا على الأقل أربعين سورة من القرآن بالعربية مع أنهم لا يتكلمونها و لا يتخاطبونها " و أي من العلماء لم يوجب مثل هذا .
و من الكذب أيضاً قول صاحب كتاب "الحق" النصراني بأن رسول الله ما كان يدري من الذبيح إسماعيل أم إسحاق لذلك قال :" أنا ابن الذبيحين" و أراد إسماعيل و إسحاق ، و يرد ابن الخطيب بذكر آيات سورة الصافات و التي ذكرت قصة الذبيح في سياق حديثها عن إسماعيل ، ثم اتبعت ذلك بالحديث عن إسحاق و بشارة الله لإبراهيم به ، و أما الحديث - لو سلمنا بصحته لصحة معناه - فلا خلاف في أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أنه ابن الذبيحين: عبد الله أبوه و إسماعيل ، و قصة نجاة أبيه من الذبح مبسوطة في كتب التواريخ .
تحريف النصوص :
و يلجأ النصارى أيضاً إلى تحريف ألفاظ النصوص الإسلامية ، و من ذلك قول القس شروش لمستمعيه الإنجليز:" أنتم معشر المسلمين تعتقدون أن المسيح ما زال على قيد الحياة " .يقول ديدات : نعم. فأكمل القس شروش " لكننا إذا قارنا هذا بما جاء في القرآن فإننا سنجد تناقضاً ، فإن القرآن يقول { و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حياً } قرأها في العربية صحيحة ، ثم ترجمها : "و سلام علي يوم ولدت و يوم مت و يوم أبعث حياً " فحول الأفعال المضارعة و التي يراد منها المستقبل إلى أفعال ماضية مستغلاً جهل مستمعيه بلغة العرب، و ظن أن حيلته و كذبه ينطلي على العلامة الأعجمي ديدات .
و من التحريف الذي مارسه النصارى تحريف المعاني و من ذلك الخلط الذي وقعوا به و نسبوه للقرآن الكريم، فقد زعموا أن قوله تعالى في قصة موسى { فأرسلنا عليهم الطوفان } يتحدث عن الطوفان الذي وقع زمن نوح، فهو بذلك يخلط بين حديثين متباعدين في الزمان.
و القرآن قد فصل في الحديث عن طوفان نوح، و أشار إلى الهلاك الذي أحدثه فيما ذكر طوفاناً صغيراً كان أحد ما عذب به الذين كفروا بموسى عليه السلام .
وكما ذكر القرآن طوفان نوح العظيم و طوفان موسى بمصر، كذا ذكرت التوراة الطوفانين، فطوفان نوح تحدث عنه سفر( التكوين 7/10-24) ثم تحدثت عن طوفان آخر أصاب مصر انتقاماً من فرعون الذي لم يؤمن بموسى، و لم يطلق بني إسرائيل، فقد قال موسى لفرعون:" أنت معاند بعد لشعبي حتى لا تطلقه. ها أنا غداً مثل الآن أمطر برداً عظيماً لم يكن مثله في مصر" فنزل المطر و البرد ، فوعد فرعون موسى بإطلاق شعب بني إسرائيل" لكن فرعون لما رأى أن المطر و البرد و الرعود ،و قد انقطعت عاد يخطئ و أغاظ قلبه هو و عبيده…"(الخروج 9/17-34).
و من التحريف أيضاً ما قاله الحداد الخوري في تعقيبه على قوله تعالى { و من قبله كتاب موسى إماماً و رحمة } ، فيقول الحداد:" إن محمد يصرح نهائياً بما لا يقبل الشك بأن إمام القرآن هو كتاب موسى" ، و الآية إنما تتحدث عن التوراة الصحيحة التي أنزلها الله على موسى فكانت لقومه إماماً و رحمة كما وصفت في آيات أخر بأنها هدى و نور ، و ليس في النص صريحاً -كما زعم الحداد- أن التوراة إمام للقرآن .
و يتحدث كتاب " الاستحالة " عن قضية صلب المسيح فيقول:" أما النص الوارد في سورة النساء ، و الذي قد يبدو فيه معنى إنكار المسيح و موته حيث جاء { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم } فإن هذه الكلمات التي يراها البعض ضد الإيمان المسيحي بالصلب هي في الواقع دليل على الصلب ، و لكنها تكذيب لليهود في قولهم { إنا قتلنا المسيح } لأن اليهود لم يقتلوه و لم يصلبوه، لأنهم لم يكونوا أصحاب السلطة و الحكم أيام ظهور السيد المسيح بالجسد ، و إنما كانت السلطة بيد الرومان ، لذلك فالرومان هم الذين نفذوا الحكم بصلب السيد المسيح ، و قد خيل لليهود ، و شبه لهم بأنهم قتلوا السيد المسيح و صلبوه، لأنهم كانوا أصحاب شكاية ، فعندما أجيبت شكواهم تخيلوا بذلك " .
و هذا الإغراب في التفسير لم ينقل عن أحد من مفسري القرآن و لو على وجه ضعيف ، و هل يعقل ألا ينسب القتل لليهود إلا إذا قاموا بأنفسهم بمباشرة القتل ، و أما ذهابهم في جمع من الشيوخ و رؤساء الكهنة للقبض على المسيح ، ثم محاكمته و الحكم عليه بالموت و دفعه للحاكم الروماني لينفذ الحكم ، ثم إصرارهم على التنفيذ ، و رفض إطلاقه بعد أن اقتنع الحاكم أنه بار وبريء ، و عرض عليهم إطلاقه ، فصرخوا و هاجوا : اصلبه . فخاف بيلاطس من الفتنة ، فامتثل لأمرهم بعد أن اتهموه بأنه لا يحب القيصر….
أفبعد ذلك كله يقال بأن اليهود ليسوا هم القتلة، بل الحاكم الروماني ، ثم ماذا عن قوله تعالى { و ما قتلوه يقيناً * بل رفعه الله إليه } ثم على أي حال فإن الآيات لم تكن تناقش من القاتل اليهود أم الرومان ، إنما كانت تؤكد نجاة المسيح مما ظنه اليهود من أنهم تمكنوا منه و قتلوه.
و مثله حرف القس أنيس شروش المعنى في قوله { حتى إذا بلغ مغرب الشمس و جدها تغرب في عين حمئة } فقال شروش :" لقد كان الخرافيون القدامى في عصر محمد يعتقدون أن الشمس تغرب في ينبوع" يقول القفال في تفسير هذه الآية" قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغرباً و مشرقاً حتى وصل إلى جرمها و مسها ، لأنها تدور مع السماء حول الأرض، من غير أن تلتصق بالأرض ، و هي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ، بل هي أكبر من الأرض أضعافاً مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب و من جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض " .
و يقول سيد قطب في بيان معنى هذه الآية : " مغرب الشمس هو المكان الذي تغرب عنده وراء الأفق ، و هو يختلف بالنسبة إلى المواضع ، فبعض المواضع يرى الرائي فيها أن الشمس تغرب خلف الجبل ، .تغرب في الماء كما في المحيطات … و الظاهر من النص أن ذا القرنين غرب حتى وصل إلى نقطة على شاطئ المحيط الأطلسي، … فرأى الشمس تغرب فيه.
و الأرجح أنه كان عند مصب أحد الأنهار حيث تكثر الأعشاب ، و يجتمع حولها طين لزج هو الحمأ ، و توجد البرك، و كأنها عيون الماء…عند هذه الحمأة وجد ذو القرنين قوماً…" .
و هكذا يكشف علماؤنا هذا التحريف للنصراني ، فالقرآن لم يقل بأن الشمس غربت في عين حمئة ، بل ذكر ما رآه ذو القرنين { وجدها تغرب في عين حمئة } .
و من التحريف أيضاً أن النصارى حين استشهادهم بالنصوص الإسلامية كانوا يختارون ما يعجبهم من النص و يدعون ما لا يوافق هواهم ، و من ذلك قول وهيب خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس " في سياق حديثه عن أدلة ألوهية المسيح في القرآن و السنة فيقول: "روى البخاري في الجزء الثالث ص107 قائلاً:" لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً " , و في هذا دليل قاطع على ألوهية السيد المسيح، لأن الدينونة لله وحده " .
و قد غض النصراني طرفه عن بقية الحديث و فيه : " فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتى لا يقبله أحد" فالأمور المذكورة في تتمة الحديث تدل على بطلان النصرانية ، و أن المسيح سيحطم رمزها (الصليب) ، و أنه سيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن الحديث يتحدث عن أحداث قبل القيامة ، فالساعة لا تقوم حتى تحصل هذه الأمور ، و الدينونة الكبرى إنما تكون بعد قيام الساعة.
و نصوص القرآن صريحة في أن الله هو الذي سيدين الخلائق كما قال تعالى { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق إلا له الحكم و هو أسرع الحاسبين }
مغالطات النصارى :
و يقع النصارى عند إثارتهم للشبهات في مغالطات في الاستدلال ، و من ذلك قول حبيب سعيد في كتابه " أديان العالم ": " إن الله في القرآن تحدث عن نفسه بصيغة الجمع ، و الجمع يدل على التثليث " و يقول : " نسب القرآن الخلق للمسيح ، فيكون مع الله الذي تحدث عن نفسه بصيغة الجمع : أي اثنان.. و من يخلق حياً يكون إلهاً ".
و مثله جاء في كتاب " الاستحالة " بعد أن ذكر أن القرآن يجعل من معجزات المسيح أنه يخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيراً .
و ذكر بأن المسيح يحيي الموتى ثم قال وهيب خليل:" فإذا كان الإسلام يشهد بأن الذي يحيي العظام و هي رميم هو الذي أنشأها أول مرة فقط ، فمن يكون السيد المسيح الذي يشهد له الإسلام بأنه يحيي الموتى؟ أليس هو الله الحي القيوم المحيي المميت الذي أنشأها أول مرة ؟" .
و المغالطة تكمن في أن الآيات نصت في أن ذلك يكون بإذن الله .أي أنه تعالى هو الفاعل الحقيقي للإحياء و الخلق.
كما أن معجزات المسيح في سياق النصوص التي وردت فيها بينت أن المسيح إنما هو رسول الله فحسب.
و من المغالطة أيضاً ما قاله وهيب خليل في سياق استدلاله على وجود التثليث في الإسلام حيث قال:"عندما يقسم الشخص المسلم فبم يقسم ؟ إنه يقول: و الله العظيم ثلاثة. لماذا لم يقل: و الله العظيم . و يكتفي ؟…إذا كان المقصود هو التوكيد فإن الأفضل في هذه الحال أن نردد و بدلاً من ثلاثة القول بأعداد أكثر كثيراً لضمان التوكيد. و لكن المعنى الصحيح في القول: و الله العظيم ثلاثة هو "و الله الأب" و "و الله الابن"و"و الله الروح القدس"..و ومعلوم أن الطلاق في الإسلام يتم في الثلاثة…لماذا يتم بالثلاثة ؟..إن ذلك يرجع إلى أن زواجنا يتم باسم الآب و الابن و روح القدس ، و أن ذلك نقل إلى الإسلام مع بعض التعديلات ".
و من المعلوم أن المسلم حين يكرر البسملة أو أياً من كلامه ثلاثاً لا يخطر ببال تثليث النصارى ، و إنما هو أسلوب في توكيد الكلام أو المعاني ، و العرب تعتبر الرقم ثلاثة من الأرقام التي تفيد الكثرة كالسبعة و السبعين خلافاً للاثنين و الأربعة و الستة.كما أن " الثلاثة " هي أول الجمع المفيد للكثرة ، لذا يكثر استخدامه في كلام الناس .
و يرد المطعني شبهة النصراني، و يبين بأن المسلم إنما يقول: و الله العظيم ثلاثاً ، و ليس ثلاثة. فتمييز العدد تقديره : " مرة ". أي أقسم ثلاث مرات، و من الممكن أن يقسم مرة أو عشرة ، و ذلك كله لا علاقة له بالتثليث.
و يسخر ابن الخطيب من هذا النوع من الاستدلال ، و يرى أنه يمكن للنصارى أن يستدلوا أيضاً لصحة معتقد التثليث بكون المخلفين ثلاثة ، و عدة المطلقة اليائس ثلاثة أشهر ، و يفرض على المتمتع أن يصوم في الحج ثلاثة أيام…و هكذا فكل هذه تصلح دليلاً على التثليث؟!
و من المغالطة أيضاً قول القس شروش أن في القرآن أسماء غير عربية كإبراهيم و فرعون و آدم… و أن هذا يتناقض مع عربية القرآن ، و أسماء الأعلام لا علاقة لهم بلغة المقال.
و من المغالطة احتجاجه على تسمية المسيح بعيسى بينما تسميه الأناجيل بالاسم العبري أو السرياني " يسوع " فيقول : " أدعو السيد ديدات لنرى إن كان يستطيع أن يشرح لكم من أين أتى بكلمة " عيسى " في القرآن في حين أن اسمه :يسوع بالعربية" . و المغالطة تكمن في أنه يتجاهل حقيقة معهودة في سائر اللغات ، و هي أن الأسماء و الألفاظ عندما تنتقل من لغاتها إلى لغات أخرى فليس بالضرورة أن تبقى الكلمة كما هي، بل يعاد صرفها بما يلائم اللسان الذي ترجمت إليه ، و هو ما صنعه شروش نفسه بعد دقائق حين قال و هو ينقل نصاً إنجيلياً بأسلوب محاكٍ للقرآن " فقال له عيسى أنا هو الصراط…" فاستخدم الاسم العربي للمسيح، و فعل ذلك ثانية حين عرب اسم " مارية "، فاستخدم الاسم العربي" مريم "، و ذلك في قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم :" كذلك زوجته الثامنة " مريم " كانت عضواً في طائفة مسيحية في مصر" .
و من المغالطة أيضاً قول صاحب كتاب "الحق":"إشعياء قال قبل الميلاد بنحو 700عام:" الجالس على كرة الأرض " (إشعيا 40/22) بينما العلماء لم يجمعوا على كرويتها إلا في عام 1543م ، و بينما يقول القرآن { و الأرض مددناها } { و الله جعل لكم الأرض بساطاً } { و هو الذي مد الأرض } " فاستنتج النصراني من هذه الآيات أن القرآن، يقول بعدم كروية الأرض.
و يبين ابن الخطيب معنى هذه الآيات ، و أنها تتحدث عن بسط الأرض و مهادها كما يراها الإنسان و يمشي عليها، فالمقصود بالأرض اليابسة التي يمشي عليها الناس ، بينما حين تحدث القرآن عن الأرض ككوكب ذكر ما هو أدق من قول التوراة و النصراني فقال { و الأرض بعد ذلك دحاها } أي جعلها كالدحية ، و هي البيضة ، و هذا ما ينطبق تماماً على الأرض ، و هو أدق علمياً من القول بأنها كروية ، فقد ثبت عند العلماء أنها منبعجة في طرفيها .
و يلجأ النصارى في شبهاتهم إلى محاكمة القرآن إلى كتبهم التي لا سند لها ، و لا اعتداد و لا ثقة بها ، فيعرضها النصارى و كأنها سندات و وثائق تاريخية لا خلاف على صحتها.
و من ذلك تكذيبهم القرآن في قوله بأن اسم والد إبراهيم عليه السلام هو آزر ، لأنه قد جاء في التوراة أنه : تارح (انظر التكوين 11/27) و كذا تكذيبهم أن يكون الذبيح إسماعيل ، لأن التوراة تقول بأنه إسحاق ، (انظر التكوين 22/9-12) و كذا تكذيبهم أن تكون زوجة فرعون قد كفلت موسى ، وقالوا بأن الذي كفله هي ابنة فرعون لما جاء في التوراة (انظر الخروج 2/5-7)، و كذبوا أن يكون لون بقرة بني إسرائيل صفراء فاقع ، لأن التوراة تقول بأنها كانت حمراء اللون (انظر العدد19/1-4) .
و يعرض النصارى أقوال غريبة أو منكرة و يقدمونها على أنها أخبار إسلامية موثوق بها و من ذلك قول القس أنيس شروش و هو يرد و يدفع عن مبالغة التوراة في قولها شمشون قتل ألفاً من الفلسطينيين بفك حمار (انظر القضاة 15/15) فيوهم شروش مستمعيه أن مثل ذلك منقول في تاريخ الإسلام وكتب المسلمين، فيقول: " المسعودي يخبرنا في كتابه مرادي (يقصد مروج الذهب) أن علياً قتل 525 رجلاً في يوم واحد بيديه المجردتين من غير سلاح و لا عصا و لا فك حمار ، و لعلي أتساءل إن كانت هذه القصة أكثر قابلية للتصديق من قصة قتل شمشون لآلاف من الفلسطينيين بفك حمار كبير"
و المسلمون لا يعتبرون كتاب المسعودي من كتب الاحتجاج ، و مثل هذه الأخبار نطعن بها و بقائليها فكيف يحتج بها علينا ؟
وما نسبه القس للمسعودي لم يخل من التحريف فقد قال المسعودي في سياق ذكره لكثرة القتلى يوم صفين ، فذكر أن علياً قتل " بكفه في يومه وليلته خمسمائة وثلاث وعشرون رجلاً " وليس مراده أن هؤلاء قد قتلهم بيديه المجردتين، بل أراد كثرة من قتل على يديه.
| |
|
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: المطلب الثاني: شبهات النصارى المتعلقة ببعض شرائع الإسلام الإثنين يناير 16, 2012 11:52 pm | |
| أكمل الله دينه بإنزال أفضل شرائعه على محمد صلى الله عليه وسلم ،فكان دينه الدين الخاتم الذي ارتضاه الله للبشرية ديناً إلى قيام الساعة ، وقد توجهت سهام النصارى إلى شرائع الإسلام كما توجهت إلى عقائد الإسلام سواءً بسواء ،إذ كلاهما من وحي الله ودينه .وقد تمحورت شبهاتهم في هذا الباب حول شرائع الإسلام المختصة بالمرأة وحقوقها في الإسلام ،كما أطالوا اللغط في نيلهم وتقبيحهم لشرعة الجهاد في سبيل الله عند المسلمين ،لذا رأيت أن أفردهما بالذكر دون سائر الشبهات المتعاقبة بشرائع الإسلام
أولاً : شبهة انتشار الإسلام بالسيف
في السنة الأولى خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً بدينه ، و ما انفك العقد الأول من السنين حتى كان جيوشه تقرع أبواب الروم .
ثم أفل القرن الأول و قد أضحت الأمة المسلمة في انتشارها على وجه الأرض كالنار سرى في الهشيم ، فقد تحولت الأمم إلى الإسلام و دخل الناس في دين الله أفواجاً ، و امتد الوجود الإسلامي في فترة وجيزة فملأ ما بين الصين و الأندلس.
و حار النصارى في فهم هذه الظاهرة إذ لا تفهم إلا بالاعتراف بأن هذا الدين حق وافق فطرة الناس و عقولهم فأذعنوا له .
و هروباً من هذه الحقيقة التي نشرت الإسلام في ربوع كانت تحسب قلاعاً للنصرانية قال النصارى بأن الإسلام دين قام على السيف ، و به انتشر، و أرادوا من خلاله طمس تلك الحقيقة الناصعة.
توالى التعلق بهذه الفرية طوال قرون عديدة ، و رددها المجادلون النصارى كثيراً ، و تمسك بها المتأخرون منهم ، يقول السيد المنسينور كولي في كتابه " البحث عن الدين الحقيقي " : " الإسلام الذي أسس على القوة ، و قام على أشد أنواع التعصب لقد وضع محمد السيف في أيدي الذين اتبعوه ، و تساهل في أقدس قوانين الأخلاق ، ثم سمح لأتباعه بالفجور و السلب ".
و يقول القس أنيس شروش"لقد كان محمد يزعم تلقي الوحي بواسطة جبريل…لتبرير سلوكه السياسي و الأخلاقي إضافة إلى غير ذلك من شعاراته الدينية ، و عند انتهاء المعركة تقترف عمليات الإعدام التي تشمل النساء ، و كل ذلك تحت شعار الأمر الإلهي ".
و يقول جيومان لوستير: " إن محمد مؤسس دين المسلمين قد أمر أتباعه بأن يخضعوا العالم ، و أن يبدلوا جميع الأديان بدينه هو" و يمضي فيقول :"ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنين و بين النصارى ، إن هؤلاء قد فرضوا دينهم بالقوة ، و قالوا للناس: أسلموا أو تموتوا ، بينما أتباع المسيح قد كسبوا النفوس برهم و إحسانهم"
ويستبشع "الآباء البيض"في أسبانيا فكرة الجهاد من أجل الدين ، ويقولون: " أين نجد الترابط المنطقي لله الذي خلق البشر وأحبهم جميعاً ، بينما نجد -كما في النصوص القرآنية - يحث على قتال الكفار" .
مبررات الجهاد الإسلامي :
و قد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهات ، و أبانوا فرية النصارى فيها ، فالمسلمون لم يأمروا أحداً باعتناق الإسلام قسراً ، كما لم يلجئوا الناس للتظاهر به هروباً من الموت أو العذاب ، إذ كيف يصنعون ذلك وهم يعلمون أن إسلام المكره لا قيمة له في أحكام الآخرة ، وهي التي يسعى لها كل مسلم ويحفد ، ولم يكرهون الناس على الإسلام ولم يجعل الله إليهم وإلى الأنبياء من هداية البشر سوى البلاغ ، وكيف يكرهون الناس على الإسلام و القرآن يقول { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } ، و يقول { و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } و يقول تعالى { قل الله أعبد مخلصاً له ديني * فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم و أهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } .
و عندما خرجت كتائب الجهاد الإسلامي ما كان خروجها لقهر الناس و إجبارهم على اعتناق الإسلام إنما كان لتحرير الإنسان و تحييد القوى الظالمة التي قد تحول بينه و بين الإسلام.
و أوضح القرآن بجلاء مبررات الجهاد الإسلامي { و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها و اجعل لنا من لدنك ولياً و اجعل لنا من لدنك نصيراً } ، و يقول تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودا فقد مضت سنة الأولين * و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير * و إن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى و نعم النصير } .
و يفسر سيد قطب معالم المنهج الذي أوضحه القرآن فيقول: "لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في الأرض لإزالة الواقع المخالف لذلك الإعلان العام ، و بالبيان و بالحركة مجتمعين ، و أن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبد الناس لغير الله…و التي تحول بينهم و بين الاستماع إلى البيان و اعتناق العقيدة بحرية لا يتعرض لها السلطان…إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته ، و لكن الإسلام ليس مجرد عقيدة .
إن الإسلام - كما قلنا - إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، فهو يهدف ابتداءً إلى إزالة الأنظمة و الحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، و عبودية الإنسان للإنسان، ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً بالفعل في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم بعد رفع الضغط السياسي عنهم ، و بعد البيان المنير لأرواحهم و عقولهم"و إيماناً بهذا المنهج خرج دعاة الإسلام يحملون البيان و يحمونه بسيوفهم و كثيراً ما سبق بيانهم سيوفهم فوصل الإسلام إلى أندنوسيا و نيجيريا و غيرها و لما يصل إليها جيش مسلم .
و أما البلاد التي وقف حكامها في وجه بيان الإسلام فقد أوهنتها مطارق الإسلام و هي تدعو لإحدى ثلاث الإسلام أو الجزية أو الحرب ، فاختار الإسلام أهل سمرقند و غيرهم ، فأضحوا إخواننا لهم ما لنا ، و عليهم ما علينا ، و اختار أهل حمص الجزية فقام المسلمون بحمايتهم و بإيصال البيان إليهم ، فدخلوا في دين الله أفواجاً ، و وقف آخرون يريدون حجب الحقيقة ، فأتم الله دينه و أظهره عليهم ، فاندكت جحافل الباطل ، و غدا الناس أحراراً في اختيار العقيدة التي يريدونها ، فدخل الناس في دين الله أفواجاً من غير إكراه و لا إجبار، فالإسلام قاتل الدول التي تحول بين الإسلام و بين شعوبها ، و لم يكره تلك الشعوب على اعتناق الإسلام ، بل أقام العهود و المواثيق التي تكفل حرية التدين ، و من ذلك العهدة العمرية التي كتبها عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس ، وفيها : " هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب - أمير المؤمنين - أهل إيليا من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم و أموالهم و لكنائسهم و صلبانهم و سقيمها و بريئها و سائر ملتها : ألا تسكن كنائسهم و لا تهدم ، و لا ينتقض منها، و لا من خيرها ، و لا من صليبهم و لا من شيء من أموالهم ، و لا يكرهون على دينهم و لا يضار أحد منهم…و من أحب من أهل إيليا أن يسير بنفسه و ماله مع الروم و يخلي بيعهم و صلبهم (هكذا) فإنهم على بيعهم و صلبهم و أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم.
و من كان من أهل الأرض ( الروم و غيرهم من الأجناس ) فمن شاء منهم قعد ، و عليه مثل ما على إيليا من الجزية ، و من شاء سار مع الروم ، و من شاء يرجع إلى أهله ، و إنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم ، و على ما في هذا الكتاب عهد الله ، و ذمة رسوله، و ذمة الخلفاء ، و ذمة المؤمنين" .
فقد ضمن عمر في عهدته سلامة أماكن العبادة كما ضمن حرية المعتقد ، و بمثل هذا النحو كانت سائر فتوح المسلمين.
و أضحى أهل تلك البلاد أهل ذمة يوصي رسول الله بهم فيقول : " لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم فيتقوكم بأموالهم دون أنفسهم و ذراريهم ، فيصالحونكم على صلح ، فلا تصيبوا منهم فوق ذلك ، فإنه لا يصلح لكم " .
و يقول أيضاً موصياً أصحابه :" انطلقوا باسم الله و بالله ، و على ملة رسول الله ، لا تقتلوا شيخاً فانياً ، و لا طفلاً صغيراً ، و لا امرأة ، و لا تغلُوا، و ضمنوا غنائمكم ، و أصلحوا و أحسنوا إن الله يحب المحسنين" .
و قال صلى الله عليه وسلم " من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة " ، ويقول "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، و إن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً " .
و لما تدانى الأجل بعمر بن الخطاب قال :" أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، و أن يوفي لهم بعهدهم ، و أن يقاتلوا من ورائهم ، و ألا يكلفوا فوق طاقتهم " .
وقد وفى المسلمون بذمة نبيهم ، فأعطوا أهل الذمة حقوقهم ، وينقل ترتون في كتابه " أهل الذمة في الإسلام " شهادة بطريك " عيشو بابه " الذي تولى منصب البابوية حتى عام 657هـ:" إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون. إنهم ليسو بأعداء للنصرانية ، بل يمتدحون ملتنا ، و يوقرون قديسينا و قسسنا ، و يمدون يد العون إلى كنائسنا و أديرتنا " .
و بمثل هذا العدل عاشت الأمم المختلفة في ظل الإسلام و دولته ، فبقي الهندوس أغلبية في الهند التي حكمها المسلمون قرابة ألف عام ، و ما يزال بين ظهراني المسلمين ما يقرب من 14مليون عربي مسيحي ، فكل ذلك شهادة ببراءة المسلمين من إجبار الأمم على اعتناق الإسلام.
و يقول المؤرخ درايبر في كتابه " النمو الثقافي في أوربا " : " إن العرب لم يحملوا معهم إلى أسبانيا لا الأحقاد الطائفية ، و لا الدينية و لا محاكم التفتيش ، و إنما حملوا معهم أنفس شيئين في العالم ، هما أصل عظمة الأمم: السماحة و الفلاحة".
و يقول غوستان لوبون في كتابه حضارة العرب: " إن القوة لم تكن عاملاً في نشر القرآن ، و إن العرب تركوا المغلوبين أحراراً في أديانهم…و الحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب ، و لا ديناُ سمحاً مثل دينهم ".
و يقول السير توماس أرنولد: " لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، و استمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة ، و نستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار و إرادة حرة ، و إن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح "، ويقول مفسر القرآن جورج سيل: " و من قال إن الإسلام شاع بقوة السيف فقط ، فقوله تهمة صرفة ، لأن بلاداً كثيرة ما ذكر فيها اسم السيف، و شاع الإسلام ".
| |
|
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: شرعة القتال في الإسلام والنصرانية الإثنين يناير 16, 2012 11:54 pm | |
|
و القتال شريعة جعلها الله لإبطال الباطل و إحقاق الحق و حماية الدين { و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً } .
ولا يستغرب صدور الأمر بقتال الكفار ممن أعد لهم في الآخرة ناراً تلظى ، وأمر بقتل كل من يذبح للأوثان ( انظر الخروج 22/20 ) ، وأمر بقتل 23 ألف رجل عبدوا العجل ( انظر الخروج 32/ ) ، وأمر بقتل من عمل بالسبت ( انظر الخروج 35/2 )
و قد أمر الله أنبياءه بحمل السلاح لمواجهة عدوهم ، و تحكي التوراة عن مذابح يشيب لها الولدان ارتكبها بنو إسرائيل في حربهم المقدسة ضد أقوام من الوثنيين ، فمما تنسبه التوراة لله عز وجل أنه قال لموسى " إذا دنوت من القرية لتقاتلهم ادعهم أولاً بالصلح…فأما القرى التي تعطى أنت إياها فلا تستحي منها نفساً البتة، و لكن أهلكهم إهلاكاً كلهم بحد السيف الحيثي و الأموري و الكنعاني و الفرزي… كما أوصاك الرب إلهك " (التثنية 20/10-17) فالنص يتحدث عن أحكام القتال التي شرعت لبني إسرائيل ، و في نص آخر " إذا أدخلك الرب إلهك الأرض التي تدخل لترثها و بيد الشعوب الكثيرة من قدامك الحيثي و الجرجاني و الأموراني و الكنعاني و الفرازي و الحواي و اليبوساني سبعة أمم أكثر منكم عدداً و أشد منكم ، و أسلمهم الرب إلهك بيدك ، فاضرب بهم حتى أنك لا تبقى منهم بقية ، فلا تواثقهم ميثاقاً و لا ترحمهم ، و لكن فافعلوا بهم هكذا : مذابحهم فاخربوها ، و اكسروا أصنامهم…" (التثنية7/1-5) فعلم من النص أن بني إسرائيل أمروا بقتل سبع أمم أكثر عدداً منهم .
يقول القسيس مريك في كتابه" كشف الآثار" :" علم من الكتب القديمة أن البلاد اليهودية كان فيها… ثمانية كرورات ( أي ثمانون مليوناً ) من ذي حياة "، و قد أمر بنو إسرائيل بقتلهم ، و عليه فلا يجوز للنصارى الاعتراض على جهاد المسلمين ، فقد أذن للأنبياء قبله ، ثم أذن له صلى الله عليه وسلم.
و تتحدث التوراة أيضاً عن تنفيذ بني إسرائيل للأمر كما في سفر المجازر ( يشوع ) فقد قتلوا حتى النساء و الأطفال و الحيوان ، و في سفر القضاة أن شمشون أخذ فك حمار… و قتل به ألف رجل ( القضاة 15/15 ) ، و تذكر التوراة أن داود لما سار إلى رابة، و انتصر على أهلها صنع فظائع " و الشعب الذين كانوا فيها أخذهم و نشرهم بالمناشير و داسهم بنوارج حديد ، و قطعهم بالسكاكين ، و أمرّهم في أتون الآجر، كذلك صنع بجميع قرى بني عمون" (صموئيل(2) 12/31).
و مثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم فما كانوا يقتلون النساء و لا الأطفال و لا الدهماء من الناس ، و يجدر أن نذكر بوصية الصديق حيث قال لأسامة بن زيد و جنده:"لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا ، و لا تقتلوا طفلاً و لا شيخاً كبيراً و لا امرأة ، و لا تعزقوا نخلاً و لا تحرقوه ، و لا تقطعوا شجرة مثمرة ، و لا تذبحوا شاة و لا بقرة و لا بعيراً إلا للأكل.و إذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم و ما فرغوا أنفسهم له …."
و لما جاء المسيح عليه السلام أكد على مشروعية القتال فقال: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض،ما جئت لألقي سلاماً ، بل سيفاً"( متى 10/34 ) ، و طلب من أتباعه الاستعداد للدفاع عنه و القتال: " من له كيس فيأخذه ، و من ليس له فليبع ثوبه و يشتري سيفاً " ( لوقا 22/26 )، و قال :" أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أُملَّك عليهم ، فأتوا بهم إلى هنا ، و اذبحوهم قدامي " ( لوقا 19/27 ) ، لكن ذلك لم يتم للمسيح.
و أما المقالة التي يتشدق بها دعاة السلام المسيحيين" لا تقاموا الشر ، بل من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً ، و من أراد أن يخاصمك يأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً…" (متى 5/39-42) فهذا محض سراب لم يحققه النصارى بكنائسهم المختلفة يوماً واحداً .
[b] | |
|
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: الاضطهاد الديني وانتشار النصرانية الإثنين يناير 16, 2012 11:58 pm | |
| و ينطبق على النصارى المثل " رمتني بدائها و انسلت " ، إذ أن سبب انتشار النصرانية هو السيف الذي سلطته على الشعوب المختلفة ، و قد بدأ سيف القهر عندما تنصر قسطنطين الوثني في بدايات القرن الميلادي الرابع و قال له بطريرك القسطنطينية : " أعطني الدنيا و قد تطهرت من الملحدين أمنحك نعيم الجنة المقيم ".
و يذكر القس مريك في كتابه " كشف الآثار " أن قسطنطين أمر بقطع آذان اليهود ، و أمر بإجلائهم إلى أقاليم مختلفة.
و في نهاية القرن الرابع وضع الامبراطور تيودسيوس ستاً و ثلاثين مادة لمقاومة اليهودية و الهرقطة ، و حظر عبادات الوثنيين ، و أمر بتحطيم صورهم و معابدهم . و في عام 379م أمر الامبراطور فالنتيان الثاني بتنصر كل رعايا الدولة الرومية ، و قتل كل من لم يتنصر، و اعترف طامس نيوتن بقتل أكثر من سبعين ألف.
و يقول غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " :" أكرهت مصر على انتحال النصرانية ، و لكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي " .
و في القرن الخامس كان القديس أوغسطين يقول بأن عقاب الملحدين من علامات الرفق بهم حتى يخلصوا ، و برر قسوته على الذين رفضوا النصرانية بما ذكرته التوراة عن فعل يشوع وحزقيال بأعداء بني إسرائيل الوثنيين ، و استمر القتل و القهر لمن رفض النصرانية في ممالك أوربا المختلفة ، و منها مملكة أسبانيا حيث خيروا الناس بين النصر أو السجن أو الجلاء من أسبانيا ، و ذكر القس مرّيك أنه قد خرج من أسبانيا ما لا يقل عن مائة و سبعين ألفاً .
وفي القرن الثامن اعتيد فرض المسيحية في شروط السلام والأمان التي تعطى للقبائل المهزومة.
و قريباً من ذلك العنف كان في فرنسا، فقد فرض الملك شارلمان النصرانية بحد السيف على السكسون ، و أباد الملك كنوت غير المسيحيين في الدانمارك ، و مثله فعل الملك أولاف (995م) في النرويج و جماعة من إخوان السيف في بروسيا.
و لم ينقطع هذا الحال فقد أمر ملك روسيا فلاديمير (988م) بفرض النصرانية على أتباع مملكته.
يقول المؤرخ بريفولت: إن عدد من قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوربا يتراوح بين 7-15 مليوناً. و يلفت شلبي النظر إلى أن العدد هائل بالنسبة لعدد سكان أوربا حينذاك.
و لما تعددت الفرق النصرانية استباحت كل من هذه الفرق الأخرى و ساموا أتباعها أشد العذاب ، فعندما رفض أقباط مصر قرار مجمع خليقدونية عذبهم الرومان في الكنائس ، و استمرت المعاناة سنين طويلة ، و أحرق أخ الأسقف الأكبر بنيامين حياً ثم رموه في البحر. فيما بقي الأسقف متوارياً لمدة سبع سنين ، و لم يظهر إلا بعد استيلاء المسلمين على مصر و رحيل الرومان عنها.
و كتب ميخائيل بطريرك أنطاكية: " إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل ، لينقذنا بواسطتهم من أيدي الرومانيين ، و إذ تكبدنا بعض الخسائر لأن الكنائس التي انتزعت منا و أعطيت لأنصار مجمع خليقدونية بقيت لهم، إلا أننا قد أصابنا القليل بتحررنا من قسوة الرومان و شرورهم ، و من غضبهم و حفيظتهم علينا. هذا من جهة ، و من جهة أخرى سادت الطمأنينة بيننا " ، و كان جستيان الأول (ت565) قد قتل من القبط في الإسكندرية وحدها مائتي ألف قبطي.
كما تعرض الموحدون النصارى للنفي و القتل في العصور مختلفة من تاريخ النصرانية فاضطهد آريوس و أتباعه و حرق سرفيتوس و …واستمر القتل والتنكيل حتى كاد أن يندثر الموحدون من النصرانية .
و كان للمسلمين نصيب كبير من الاضطهاد الديني خاصة في الأندلس التي عانى مسلموها من محاكم التفتيش حتى فر من استطاع الفرار إلى المغرب . و يكفي أن ننقل ما سطره غوستاف لوبون في كتابه" حضارة العرب "حيث يقول عن محاكم التفتيش: " يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب و الاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين ، فلقد عمدوهم عنوة، و سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع ، و اقترح القس بليدا قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد ، بما في ذلك النساء و الأطفال ، و هكذا تم قتل أو طرد و ثلاثة ملايين عربي"و كان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مائة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه ، و كان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرين، و حجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين و الكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف ، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى ، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم.
و قد تعرض المسلمون - سوى مذابح الأندلس - إلى مذابح عدة ليس هذا مجال ذكرها، منها مذبحة معرة النعمان ثم مذبحة الأقصى و غير ذلك،ونكتفي هنا بنقل ماذكره المؤرخ جيبون عن مذبحة القدس التي رافقت دخول الصليبيين : " إن الصليبيين خدام الرب يوم استولوا على بيت المقدس في 15/7/1099م أرادوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم ، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء …حطموا رؤوس الصبيان على الجدران ، وألقوا بالأطفال الرضع من سطوح المنازل ، وشووا الرجال والنساء بالنار…".
و قريباً من هذه المذابح جرى بين المذاهب النصرانية ، فقد أقام الكاثوليك مذابح كبيرة للبروتستانت منها مذبحة باريس (1572م ) و قتل فيها و أثرها ألوف عدة وسط احتفاء البابا و مباركته ، و مثله صنع البروتستانت بالكاثوليك في عهد المملكة أليصابات حيث أصدرت بحقهم قوانين جائرة ، و أعدمت 104 من قسس الكاثوليك ، و مات تسعون آخرون بالسجن ، و هدمت كنائس الكاثوليك أخذت أموالهم.
و كانت الملكة تقول: " بأن أروح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبداً ، فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض " .
و عليه نستطيع القول بأن النصرانية يرتبط تاريخها بالسيف و القهر الذي طال حتى أتباع النصرانية غير أن الاضطهاد النصراني يتميز بقسوة و وحسية طالت النساء و الأطفال و دور العبادة.
و قد جرت هذه الفظائع على يد الأباطرة بمباركة الكنسية و رجالاتها و كانت الكنيسة قد سنت القوانين التي تدفع لمثل هذه المظالم و تأمر بقتل المخالفين ، و من ذلك أن البابا اينوشنسيوس الثالث (ت1216م) يقول :" إن هذه القصاصات على الأراتقة ( الهراقطة ) نحن نأمر به كل الملوك و الحكام ، و نلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية " و في مجمع توليدو في أسبانيا قرر أن لا يؤذن لأحد بتولي الملة إلا إذا حلف بأن " لا يترك غير كاثوليكي بها ، و إن خالف فليكن محروماً قدام الإله السرمدي، و ليصر كالحطب للنار الأبدية ".
و قد أكد هذا قرار المجمع اللاتراني حيث طلب من جميع الملوك و الولاة و أرباب السلطة " فليحلفوا أنهم بكل جهدهم و قلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم أراتقة ، و لا يتركون أحداً منهم في نواحيهم ، و إن كانوا لا يحفظون هذا اليمين فشعبهم محلول من الطاعة لهم ."
و هكذا رأى علماؤنا مظلمة النصارى لهذا الدين بهذه الشبهة التي هم أولى بها فما كان جهاد المسلمين قتلاً للنساء و الأطفال كما لم يكن لإجبار الناس على اعتناق الإسلام ، بل كان رحمة للأمم من جلاديها، و إزالة لطواغيت الأرض الذين يريدون أن يطفئوا نور الله ، و أبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره ذلك المشركون.[b] | |
|
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: ثانياً: شبهات النصارى حول وضع المرأة في شرائع المجتمع المسلم الثلاثاء يناير 17, 2012 12:00 am | |
| و يلمز النصارى وضع المرأة في المجتمع المسلم، و يرون في بعض شرائعه انتقاصاً لها ، و من ذلك تعدد الزوجات حيث يقول القس شروش:" يسوع أعلن أن الذي خلقهم من البدء خلقهم رجلاً و امرأة ، و لو أراد الله الرجل أن تكون له أربع زوجات لخلق من البدء أكثر من حواء " .
و يقول القس سويجارت مفاخراً بتشريع الكنيسة في قصر الزواج على واحدة : " المسيحية تسمح لنا بواحدة فقط ، و لذلك ارتضي أفضلهن من أول قذيفة " .
و تقول منظمة الآباء البيض في رسالتها لرابطة العالم الإسلامي و هي تعتب القول بتفوق الرجال على النساء فتقول :" لماذا يقبل تفوق جنس على آخر؟ و هو مانراه من خلال النقاط التالية:
1- قبول تعدد الزوجات مع تحريم تعدد الأزواج. 2- إمكانية هجر الرجل لزوجته دون أن يقدم تبريراً لعمله (يقصد الطلاق). 3- الأب حق الوصاية أو الولاية على الأبناء دائماً و إن كان الأطفال في حضانة الأم… 4- بالنسبة للمواريث نجد أن نصيب المرأة و في أغلب الأحيان هو أقل من نصف حصة الرجل "
ويمضي القس أنيس شروش في عرضه لما يراه مثالب ارتكبها الإسلام بحق المرأة فيقول:"بإمكان الرجل المسلم أن يطلق زوجته دون أن يعطي لذلك سبباً واحداً و من غير إشعار ، فالزوج له السلطة المطلقة الفورية في الطلاق غير القابلة للنقاش ، و يمكنه أن يعلن أمام زوجته أنه يطلقها ثلاث مرات ، فترحل ، ليس هناك امتيازات و لا ترابط شعوري " ، ثم يعرض فيذكر آية القوامة و ما تضمنته من جواز ضرب الناشز ، ثم آية توريث الذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم يقول:" على العكس من ذلك فإن الرب يوصي المسيحيين بحب الزوج للزوجة مثلما أحب المسيح الكنيسة " .
و في الإجابة عن هذه الشبهات أوضح المسلمون موقف الإسلام المكرم للمرأة ، و بينوا ما تعرضت له من انتقاص على يد الجاهليات المختلفة و منها النصرانية المحرفة ، فالوثنيات القديمة العربية و اليونانية و سواها ظلمت المرأة ظلماً كبيراً ، فقد جعلت منها سلعة تباع كسائر المتاع ، و تورث أيضاً إذا مات زوجها كسائر متاع بيتها ، و حرمتها الجاهلية الوثنية من حق الحياة بوأدها طفلة أو تقديمها قرباناً للآلهة إلى غير ذلك من الصور المستبشعة
المرأة في النصرانية :
أما في النصرانية و المجتمع النصراني فكانت الإساءة للمرأة أكبر حيث أكدت النصوص التوراتية على بعض التشريعات التي تحط من قدر المرأة و من ذلك أن النصوص تقر بيعها ، فقد جاء في سفر الخروج " و إذا باع رجل ابنته أمةً لا تخرج كما يخرج العبيد" (الخروج 21/7) ، و في أيام القضاة اشترى بوعز جميع أملاك أليمالك و مالكليون و محلون ،و من ضمن ما اشتراه راعوث المؤابية امرأة محلون (انظر راعوث 4/9-10) ، وتقول التوراة أيضاً " فوجدت أمرّ من الموت : المرأة التي هي شباك ، و قلبها أشراك ، و يداها قيود ، الصالح قدام الله ينجو منها. أما الخاطئ فيؤخذ بها…رجلاً واحداً بين ألف وجدت ، أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد " ( الجامعة 7/26-28 ).
و يقرن سفر اللاويين المطلقة و الأرملة بالزانية ، فيعتبرهن دناياً يحرم على الكاهن الزواج منهن (انظر اللاويين 21/10-15) كما يفرض السفر أحكاماً غاية في القسوة على المرأة حال حيضتها حتى أن مجرد مسها ينجس الماس إلى المساء كما ينجس كل من مس فراشها أو شيئاً من متاعها ( انظر اللاويين 15/19-32 ).
و في النصرانية يحمل بولس المرأة خطيئة آدم ، ثم يحتقر المرأة تبعاً لذلك فيقول :" لتتعلم المرأة بسكوت في كل خضوع ، و لكن لست آذن للمرأة أن تعلّم ، و لا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت، لأن المرأة أغويت ، فحصلت في التعدي " (تيموثاوس(1) 2/11-14) ، و يقول مؤكداً ما يكنه من ازدراء للمرأة "الرجل ليس من المرأة ، بل المرأة من الرجل ، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة ، بل المرأة أجل الرجل " (كورنثوس(1) 11/8-9)
و منذ ألبس بولس المرأة خطيئة الأبوين ، والفكر النصراني يضطهد المرأة و يعتبرها باباً للشيطان ، و يرها مسئولة عن انحلال الأخلاق و تردي المجتمعات البشرية ، و من ذلك يقول القديس ترتليان (ق3) : " إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، ناقضة لنواميس الله ، مشوهة لصورة الله (الرجل) "، و يقول أيضاً بعد حديثه عن دور حواء في الخطيئة الأولى:" ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هي حواء ؟!…أنتن المدخل الذي يلجه الشيطان..لقد دمرتن بمثل هذه السهولة الرجل صورةَ الله " .
و يقول القديس سوستام عن المرأة : " إنها شر لا بد منه ، و آفة مرغوب فيها ، و خطر على الأسرة و البيت ، و محبوبة فتاكة ، و مصيبة مطلية مموهة "، و يقول القديس جيروم (ق5) في نصيحته لامرأة طلبت منه النصح : " المرأة إذن هي ألد أعداء الرجل ، فهي المومس التي تغوي الرجل إلى هلاكه الأبدي ، لأنها حواء ، لأنها مثيرة جنسياً ".
و يتساءل القديس أوغسطين (ق 5) لماذا خلق الله النساء ؟. ثم يقول " إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطبية، فلقد كان من الأفضل كثيراً أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان كصديقين بدلاً من رجل و امرأة "، ثم تبين له أن العلة من خلقها هي فقط إنجاب الأولاد ، و منه استوحى لوثر فقال: " إذا تعبت النساء أو حتى ماتت فكل ذلك لا يهم ، دعهن يمتن في عملية الولادة ، فلقد خلقن من أجل ذلك ".
و عقدت الكنيسة مؤتمرات غريبة لبحث أمر هذا الكائن ( المرأة ) ، ففي القرن الخامس عقد مؤتمر ماكون للنظر هل للمرأة روح أم لا ؟ و قرر المؤتمر خلو المرأة عن الروح الناجية . و قال القديس جيروم: " المرأة عندما تكون صالحة تكون رجلاً ".أي شذت عن مثيلاتها الإناث فكانت مثل الرجال .
و في عام 586م عقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة ، ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل . و بعد ظهور البروتستانت في القرن السادس عشر عقد اللوثريون مؤتمراً في وتنبرج لبحث إنسانية المرأة .
و قد انعكست هذه الصورة القاتمة للمرأة على القوانين المدنية و التي كانت تفرض غير بعيد عن رأي القسس و الأساقفة ، فقد بقيت المرأة في القانون الإنجليزي تباع من زوجها لآخر بست بنسات ، و استمر هذا القانون سارياً حتى عام 1805م ، فيما اعتبر قانون الثورة الفرنسية المرأة قاصراً كالصبي و المجنون ، و استمر ذلك حتى عام 1938م .
و كان قمة الاضطهاد الذي تعرضت له المرأة في ظل سيطرة الكنيسة في القرن السادس عشر و السابع عشر حيث انعكست الصورة السوداوية التي تنظر بها الكنيسة إلى المرأة بظهور فكرة اجتاحت أوربا و هي وجود نساء متشيطنات أي تلبسهن روح شيطانية، فهن يعادين الله ، و يعادين المجتمع ، تقول كارن ارمسترنج في كتابها " إنجيل المرأة " : " لقد كان تعقب المتشيطنات بدعة مسيحية ، و كان ينظر إليها على أنها واحدة من أخطر أنواع الهرطقات…و من الصعب الآن معرفة عدد النساء اللائي قتلن خلال الجنون الذي استمر مائتي عام ، و إن كان بعض العلماء يؤكد أنه مات في موجات تعقب المتشيطنات بقدر ما مات في جميع الحروب الأوربية حتى عام 1914م…يبدو أن الأعداد كانت كبيرة بدرجة مفزعة " .
إذن كان هذا هو موقف النصرانية من المرأة ، و هو صورة قاتمة مغايرة كل المغايرة لصورة المرأة في المجتمع المسلم.
المرأة في المجتمع المسلم :
فالإسلام يقرر إنسانية المرأة إذ هي أصل الإنسان { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى } و يقرر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :" إنما النساء شقائق الرجال " و يقرر القرآن أهلية المرأة للإيمان و التكليف و العبادة ، و من ثم المحاسبة و الجزاء { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة * و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } و يقول تعالى { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } .
و يجعل القرآن الكريم آدم و زوجته شريكين في الخطيئة الأولى و التوبة منها، شريكين في جزائها { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه } { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكون من الخاسرين } و رغم ذلك فإن أحداً سواهما لن يحاسب على فعلهما { تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسئلون عما كانوا يعملون } و قد نعى الله على الجاهلية كرهها لميلاد البنت { و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً و هو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه بالتراب ألا ساء ما يحكمون } .
و قد أوصى الإسلام بالمرأة مولوداً فحذر من وأدها { و إذا المؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت } ، و أمر بالإحسان إليها بنتاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من بلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" و ذكر ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين فذكر منهم " الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها ، و يؤدبها فيحسن أدبها ، ثم يعتقها فيتزوجها ، فله أجران " .
كما أمر الله و رسوله بالإحسان إلى الأم في نصوص كثيرة خصت في بعضها بمزيد تأكيد عن الأب.
و أما كون المرأة زوجاً فذاك عقد منح القرآن المرأة فيه أهلية التعاقد ، فجعلها صاحبة الحق في أمر نكاحها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد تنكح زوجاً غيره } و يقول { و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } .
و قد جعل الله عز و جل مهرها حقاً لها تتصرف فيه وفق مشيئتها لكمال أهليتها في التصرف { و آتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، وفي دفع المهر إليها من الكرامة ما لا يخفى ، و جعل الله لها من الحقوق على زوجها ما يناسب دورها { و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة } ، و هذه الدرجة ليست لقعود جنس النساء عن جنس الرجال ، بل هي لما أودعه الله في الرجل من استعدادات فطرية تلائم مهمته و دوره في المجتمع كما قال تعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } .
و يحث القرآن على الإحسان إلى الزوجة و حسن العشرة لها حتى عند كراهيتها { و عاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً } .
و هكذا يظهر الفرق جلياً بين مكانة المرأة في الإسلام و مكانتها في النصرانية | |
|
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| |
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| |
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: المطلب الرابع : شبهات النصارى عن القرآن الكريم الثلاثاء يناير 17, 2012 12:10 am | |
| لما كان القرآن الكريم الكتاب المقدس للمسلمين ، فهم يعتبرونه كلام الله ووحيه الخاتم ،حيث نـزل على آخر رسله ، لما كان بهذه المثابة عند المسلمين كان من الطبيعي أن يتجه النصارى للطعن والثلب لهذا الكتاب الذي يبين ضلالهم ويزيف باطلهم ، ويقيم حجة الله عليهم .
وقد وجه النصارى إلى القرآن الكريم شبهات متنوعة متعددة راموا منها تزييف نسبة هذا الكتاب لله رب العالمين ، وتتمحور هذه الشبهات حول خمس محاورنتحدث عنها في هذا المطلب .
المحور الأول : حول المصدر
و يشكك النصارى في مصدر القرآن الكريم ، و يعتبرونه من صناعة محمد صلى الله عليه وسلم و يذكرون له مصادر أرضية، و يلخص القس أنيس شروش مزاعم النصارى في مصادر القرآن الكريم ، فيقول مخاطباً ديدات:" دعني أتحداك 75% من القرآن الرائع في لغتي العربية الرائعة مأخوذ من الكتاب المقدس"، و يقول:"الواقع أن هناك نصوصاً عديدة من مقاطع العهد الجديد قد استعارها القرآن و اقتبسها ، هناك حوالي 130 مقطعاً في القرآن مستوحاة من سفر المزامير ، و نجد الروايات غير القانونية المرفوضة(الأناجيل الأبوكريفا)عند النصارى موجودة في القرآن ، إن سورة آل عمران الآية 35-37 تحكي بدقة الرواية الإنجيلية الأسطورية التي تحكي قصة زكريا المشهورة و مولد ابنهما " .
و يتحدث القس شروش عن مصدر آخر للقرآن هو أشعار العرب ، فيقول عن امرئ القيس" كان من أعظم شعراء العرب القدامى قبل محمد ، و في إحدى قصائده…هناك أربع آيات مأخوذة منها تم إدخالها في القرآن من قبل محمد ، و تظهر في سورة القمر الآية 1، 29، 31، 46…".
و يوضح ذلك فيقول { اقتربت الساعة و انشق القمر } هذا في القرآن ، أما امرؤ القيس فيقول: دنت الساعة و انشق القمر." ، و لم يذكر شاهداً للثانية و الثالثة ، ثم ذكر لقوله تعالى { بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر } فادعى أنها منقولة من قول امرئ القيس: و إذا ما غاب عني ساعة كانت الساعة أدهى و أمر.
ثم ذكر القس أن ابنة امرئ القيس أدركت الإسلام ، و سمعت أبيات أبيها فعرفتها و طالبت بمعرفة كيف ظهرت أبيات أبيها فجأة في السورة .
و يتحدث القس عن مصادر الإسلام عموماً فيقول :" من المنطقي استنتاج أن الإسلام نابع من ثقافة قبيلة مشركة هي قبيلة محمد" و يقول:" لأنه لمن المدهش أن نكتشف أن محمداً لم يؤمن بالثالوث الأقدس و لا بألوهية و لا قيام المسيح ، و لفهم السبب علينا معاينة عقيدة نسطور و أتباعه ، إنها طائفة مسيحية مهرطقة هاجرت إلى الجزيرة العربية قبل140 سنة من مولد محمد ، لقد اكتسب محمد ذاك الإنكار من هذه الهرطقة…لقد هرب (نسطور) هو و أتباعه و تفرقوا في أماكن مختلفة من بلاد الفرس و الجزيرة العربية حيث احتكوا بأسرة النبي .
معظم المفكرين المسيحيين يؤمنون ، و يشهد لهم التاريخ الإسلامي أيضاً أن محمداً كان يلتقي بنسطور (و لعله أراد بحيرا) خلال أسفاره إلى الشام ، و حين كان في سن 12 رأى بحيرا فيه علامات النبوة ، و بعد سنة أقنعه بذلك ، و سافر معه ، و علمه كل ما يتعلق بما نسميه قصص الكتاب المقدس " .
و في التمثيل للاقتباسات من الوثنية ذكر شروش تقبيل الحجر الأسود ، و مثله قال صاحب كتاب " الحق " و هو كاهن لم يذكر ابن الخطيب اسمه ، و زعم بأن الحجر الأسود من بقية آلهة العرب التي كانوا يعبدونها .
و نلمس في هذه الشبهات الكثير من الكذب الصراح كالزعم بنقل القرآن من الكتاب المقدس أو من أناجيل لا ترتضيها الكنيسة فهذا لا يصح بحال ، و يظهر بجلاء لكل من وقف على موضوعات الكتاب المقدس و موضوعات القرآن الكريم ، و قد تحدى ديدات القس بأن يأتي بمثال واحد ، فعجز عن ذلك و ينقل ديدات عن العالم ولير قوله : " هناك فقرة واحدة في القرآن جرى اقتباسها من كتاب المزامير " و هي " الأبرار يرثون الأرض " (المزمور 37/11).
و قد ذكر القرآن وجود هذه الفقرة في المزامير فقال { و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } ، فالقرآن ذكر أن الفقرة موجودة في الزبور ، فيما نقل متى الفقرة ذاتها في إنجيله (انظر متى 5/5) و لم يشر إلى أنه اقتبسها من المزامير.
و يتساءل ديدات مراراً عن الـ(75%) المقتبسة من الكتاب المقدس ، و يقول :" أي شيء في الكتاب المقدس يستحق النسخ أو الاقتباس…هذا كتابك المقدس بالعربية ، و هذه نسخة من القرآن بالعربية لأسهل الأمر عليك " .
و لا ريب في أنه لو كان الكتاب المقدس من عند الله لوجدنا صوراً أكثر من التشابه و التماثل التي تقتضيها وحدة المصدر و الهدف ، و لا يعني حينذاك بأن القرآن مقتبس من الكتب السابقة ، بل ذلك معناه أن الله كما أنزل هذه المعاني على الأنبياء السابقين أنزلها على رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم.
و من التماثل بين شرائع الله تعظيم الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام و عظمها لأمر الله ، ثم عظمها رسول الله لتعظيم الله لها فقد جعلها قبلة لعباده ، و تقبيل الحجر الأسود من ذلك التعظيم ، و قد قال عمر رضي الله عنه عندما وقف عليه يقبله " إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع ، و لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " .
و لم يكن تعظيم الرسول للكعبة تعظيم عبادة، إنما كان تعظيماً لشعائر الإسلام و هي منها ، فقد أمر الله نبيه إبراهيم ببناء هذا البيت و تطهيره لعبادته.
هذا و لم يعرف في العرب قط رغم عبادتهم للأصنام أن أحداً منهم عبد الكعبة أو الحجر الأسود.
و أما قول القس و غيره من النصارى عن بحيرا الراهب و نسطور فهو كلام لا دليل عليه البتة ، و الموجود في كتب التاريخ الإسلامي أن رسول الله سافر إلى الشام مرتين إحداهما في طفولته حيث لقيه بحيرا الراهب ، و طلب من أبي طالب أن يحذر على ابن أخيه ، و الثانية في شبابه حيث ذهب في تجارة خديجة ، و عاد بعدها مباشرة ، و من الكذب القول بأن بحيرا قد ذهب معه إلى مكة ، و أنه قد علمه قصص الكتاب المقدس ، بل إن مجرد المقارنة بين قصص الكتاب المقدس و القرآن الكريم المشابهة كقصة آدم و نوح و إبراهيم ، إن مجرد التأمل فيها و المقارنة بينها يكفي في رد هذه الشبهة.
و هذه الشبهة قديمة ذكرها القرآن الكريم و أجاب عنها قال تعالى { و لقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون عليه أعجمي و هذا لسان عربي مبين } { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه و أعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً * و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة و أصيلاً * قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات و الأرض إنه كان غفوراً رحيماً } { و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون } .
و من المعلوم أن أول ترجمة عربية للتوراة كانت بعد ظهور الإسلام بقرن من الزمان ، حيث كان أسقف اشبيلية يوحنا أول من ترجم التوراة إلى العربية عام 750م ، ثم ترجمها سعدية بن يوسف عام 942م ، وكتبها بأحرف عبرية ، ثم كتبها يافث بن علي في أواخر ذلك القرن بأحرف عربية .
و يعجب المرء كيف ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم الاطلاع على كتب لم يكن بمقدور الأحبار و الرهبان في ذلك الزمان أن يطلعوا عليها كاملة ، بل كيف يقال بأنه أخذ من الأناجيل غير القانونية التي اختفت في بلاد المسيحية ، و إن كشفت الدراسات و عمليات تنقيب الآثار عن بعض هذه الكتب في هذا الزمان، و لكن كيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصل إليها قبل قرون و في بلاد لا تعير لكتب أهل الكتاب أدنى اهتمام.
و بقيت أمية الرسول حجر عثرة أمام شبهات القس ، لذا يزعم شروش بأن رسول الله كان يقرأ و يكتب ، و يقول : " هذا كان مجرد دعوى لإظهار عظمة عمل محمد في إنتاج القرآن و ليثبت إعجاز القرآن ، و حجتي الدامغة : قيل لنا أنه حين رفض أهل مكة الاعتراف بالعبارة المكتوبة على وثيقة المعاهدة (محمد رسول الله)، و انصياعاً لمطالبهم حذف محمد لقب"رسول الله "، و خط بيده عوضاً عنها عبارة محمد بن عبد الله. و إليكم حدثاً آخر يؤكد إلمامه بالكتابة و القرآن حين لوحظ احتضار محمد أوعز إلى زوجته المفضلة عائشة أن تحضر له قرطاساً ليخط عليه اسم خليفة من بعده" ، ثم ذكر شروش أنه رأى وثيقة عليها توقيع رسول الله كما أن عمل رسول الله في التجارة يوجب عليه أن يجيد القراءة و الكتابة و الحساب.
و أخيراً استشهد بقول الله { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ و ربك الأكرم * الذي علم بالقلم }.
وفي إبطال هذه الحجج اكتفى العلامة ديدات برمي القس بالكذب مستدلاً بتغييره للرواية في مسألة صلح الحديبية حيث ثبت أن رسول الله استعلم الصحابة عن مكان عبارة " رسول الله " ثم أزالها ، و أنه أمر علياً بكتابة: " ابن عبد الله ".
و يؤكد دمشقية في تعليقه على مناظرة شروش بأن لو كتب رسول الله بنفسه اسمه و اسم أبيه فإن ذلك لا يرفع الأمية عنه ، إذ لا شيء يمنع من أن يتعلم الإنسان رسم اسمه و هو لا يعرف الكتابة .
و مثله يقال فيما رآه شروش من توقيع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صدق في زعمه.
و أما قصة الكتاب الذي أراد رسول الله كتابته فقد ذكره البخاري ، و ذكر بأنه قد كان عنده جمع من الصحابة و أنهم اختلفوا فلما رأى اختلافهم قال: " قوموا عني ، لا ينبغي عندي التنازع " .
فكما كانوا حوله يكتبون الوحي طلب منهم أن يكتبوا هذا الكتاب.
و أما الآيات في أول سورة العلق فقد سبقها قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما أنا بقارئ " ، فالمقصود باقرأ هو أن يتلو ما يسمعه من وحي ينزل به جبريل.و لا يمكن أن يكون المقصود بالقراءة القراءة من كتاب إذ لم يدفع جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً مكتوباً ليقرأه .و إنما دفع إليه وحياً مقولاً فقرأه بعده.
و قد أثبت القرآن في غير موضع أمية النبي صلى الله عليه وسلم ، و لو كان قارئاً لما خفي ذلك على قومه فكذبوه ، فعدم تكذيبهم دليل على معرفتهم بصدقه.
و أما قول القس بأن القرآن منحول من شعر العرب و استدلاله بتماثل بعض الآيات مع شعر امرئ القيس فهو مرفوض لأن التماثل في بعض الألفاظ لا يعني النقل على كل حال ، و وقوع التماثل أمر طبيعي إذ جاء القرآن بما تعهده العرب في كلامها من أمثلة و استعارات و سوى ذلك من ضروب البلاغة.ثم أن الشعر المنسوب لامرئ القيس هو المنقول عن القرآن كما قد سبق بيانه .
المحور الثاني : حول ثبوته
اثار النصارى شبهات تتعلق بثبوت القرآن الكريم ، فالنصارى يعتقدون أن القرآن كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نصوصاً متنافرة و حدها عثمان ، يقول سويجارت: " بعد وفاته ( أي صلى الله عليه وسلم ) كان يوجد عدد لا بأس به من نسخ القرآن المتداولة التي لم تستقر بعد…الخليفة عثمان كان عليه أن يوحد النصوص…لأن نصوصاً كثيرة من القرآن كانت موجودة … بعث عثمان إلى كل إقليم إسلامي بنسخة مما تم نسخه ، و أمر أن تحرق جميع المواد القرآنية الأخرى…، إن لم تكن متناقضة فإني أستغرب لماذا أمر بإحراقها ؟".
و يقول الحداد الخوري عن اقتصار عثمان في جمعه للقرآن على حرف واحد : " بذلك أضاعوا علينا معرفة ما كان في الأحرف الستة من مباينات و مناقضات و اختلافات بالنسبة إلى الحرف الذي أثبتوه و اقتصروا عليه".
و تحدث الحداد أيضاً عما أسماه " الإصدار الثالث للقرآن " ، و قصد به المصحف الذي نقطه الحجاج بن يوسف الثقفي ، و أراد الحداد أن يوهم بأن ثمة تبديلاً أو تغيراً طرأ على القرآن حينذاك".
و تحدث النصارى عن إسقاط المسلمين لبعض الآيات و السور القرآنية كآية رجم الزاني و سورة الحفد و الخلع ، و يقول الخوري معقباً :"و هكذا فقد أسقط عثمان من الصحف قرآناً كثيراً " .
و للرد على هذه الشبهة شرح علماؤنا كيفية نزول القرآن و حفظه من قبل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم و بعده.
و قبل أن نشرع في تفصيل ذلك ننبه لأمرين هامين غفل عنهما النصارى أولهما: أن المسلمين لا يسمون كل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً ، بل ما يطلق عليه " القرآن " هو ما لم ينسخ تلاوة من الوحي ، و هو الذي تدارسه جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم في العرضة الأخيرة قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم.
و الأمر الثاني : أن الأساس الذي حفظ القرآن ، و اعتمد عليه المسلمون هو حفظ الصدور و السطور ، و قد كان الاهتمام بتدوين القرآن في الصحف أمراً متمماً موثقاً لحفظ الصدور.
و قد نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث و عشرين سنة ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا نزلت السورة أو بعضها أمر الصحابة بكتابتها و وضعها في مكانها بين سور القرآن وآياته ، و كان له كتاب مختصون بكتابة الوحي.
و توفي رسول الله و لما يجمع هذا الكتاب المكتوب في مصحف واحد ، و ذلك لتتابع الوحي و عدم انقطاعه ، و إن كان قد علم ترتيب السور و آياته.
و قد كان أصل تنزل القرآن على حرف واحد ، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته فقال:"يا جبريل إني بعثت إلى أميين، منهم العجوز ، والشيخ الكبير، و الغلام و الجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط….." فاستجاب الله له و جعل نزول القرآن على سبعة أحرف قال صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده و يزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف " ، و في رواية أخرى أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال أسأل الله معافاته و مغفرته . و إن أمتي لا تطيق ذلك…إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة حروف ، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا " .
و حذر رسول الله من المراء في الأحرف السبع فقال:" أنزل القرآن على سبعة أحرف ، على أي حرف قرأتم أصبتم ، فلا تماروا ، فإن المراء كفر " .
و خبر نزول القرآن على سبعة أحرف خبر متواتر أراد الله به التيسير على الأمة عند قراءتها للقرآن الكريم ، و ليس في الأحاديث السابقة و غيرها ما يفهم منه أن هذه الأحرف كانت نصوصاً مختلفة ، بل غاية ما فيه هو التسهيل في قراءة القرآن.
و قد ذكر علماؤنا أن الأحرف هي وجوه في القراءة توافق لغات العرب مع السماح ببعض الإبدال لحروف بعض الكلمات أو إبدال بعض الكلمات بدلاً لكلمات أخرى تقاربها في المعنى أو ترادفها من غير مضادة و لا تناقض.
و قد حفظ عدد من الصحابة القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة خشي الصحابة من ضياع القرآن فجمعه زيد بن ثابت في مصحف واحد بعد أن تتبعه من مكتوبات الصحابة و محفوظاتهم ، واستوثق له بتواتر الصحابة وإجماعهم ، و كان هذا المصحف عند أبي بكر ثم عمر ثم حفصة رضي الله عن الجميع.
و في عهد عثمان أتى حذيفة بن اليمان من فتوح أذربيجان و أرمينيا يحذر عثماناً و يقول:" يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود و النصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت و عبد الله بن الزبير و سعيد بن العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، و قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، و أرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، و أمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق " .
و في رواية الترمذي" فاختلفوا في "التابوت" و" التابوة " ، فقال القرشيون بالأول، و قال زيد بالثاني ، فرفعوا اختلافهم إلى عثمان ، فقال: اكتبوه بالتابوت ، فإنه نزل بلسان قريش " .
و يفهم من الحديث أن ما فعله عثمان هو نسخ صحف أبي بكر مع إعادة رسم الكتابة و جعلها حسب لغة قريش ، و أهمل الجمع الأخير من الأحرف السبعة ما تعارض مع الرسم العثماني ، و ليس في ذلك إهمال لنص القرآن ، بل عاد الصحابة للأصل الأول و هو لسان قريش بعد أن زال سبب التخفيف و الرخصة التي أنزل الله من أجلها بقية الأحرف، و الذي دعا الصحابة لهذا الصنيع خوفهم من تفرق الأمة و اختلافها بسبب هذه الرخصة التي فات محلها ، و التي وقع الناس لجهلهم بحكمتها في المراء الذي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.
و قد كان فعل عثمان رضي الله عنه بإجماع الصحابة يقول علي رضي الله عنه : " لا تقولوا في عثمان إلا خيراً ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا " .
و قد امتثلت الأمة طائعة لأمر خليفتها، فأحرقوا ما في أيديهم من الصحف والمصاحف التي كانت قد كتبت قبل العرضة الأخيرة ففيها ما نسخت تلاوته ،كما فيها بعض الأجزاء الناقصة التي يخشى أن يظن بعد برهة بأنها هي الصحيح فقط .
و امتثال الصحابة و فعلهم إقرار لعثمان على صحة ما فعله، و دليل على أن ما فعله عثمان هو إعادة نسخ مصحف أبي بكر ، و لو كان في فعله شائبة لثاروا عليه ، كما ثار عليه البعض حين ولى بعض أقاربه ، و من المعلوم أن عثمان لم يأمر عماله بمتابعة الناس في بيوتهم و معرفة من أحرق و من لم يحرق ، فقد فعل المسلمون ذلك بمحض إرادتهم .
و ما أثبته عثمان في مصحفه هو العرضة الأخيرة كما أثبتها مصحف أبي بكر ، لذا اسقط منه كل منسوخ تلاوة ، و مما يدل على دقة عثمان في جمعه أن عبد الله بن الزبير يقول:" قلت لعثمان { و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج } قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها ؟ أو تدعها ؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه عن مكانه" فلم يرفع عثمان الآية و هي منسوخة بآية سورة البقرة رقم: 234.
و أما الحجاج فقد اقتصر فعله على وضع النقط، و لم يصنع سوى ذلك ، و لو صنع باطلاً لشنع عليه أعداؤه في عهد بني أمية ثم بنو العباس ، و لكان فعله من الأمور التي يستمسك بها أعداء دولته ، لكن شيئاً من ذلك لم يكن .
وقد صدق وليم موير حين قال مافند دعاوي النصارى في كتابه " حياة محمد "، فقال :" إن نظم القرآن ومحتوياته تنطق في قوة بدقة جمعه ، فقد ضمت الأجزاء المختلفة بعضها إلى بعض ببساطة تامة ، لا تعسف فيها ولا تكلف ولا أثر لأحد في هذا الجمع سوى التأكد والمراجعة لكل ما كتب ، وهو يشهد بإيمان الجامع وإخلاصه لما يجمع ، فهو لم يجرؤ على أكثر من تناول هذه الآيات المقدسة ووضع بعضها إلى جانب بعض " .
المحور الثالث : حول بعض المزاعم المثارة حول القرآن الكريم
زعم النصارى أيضاً أن في القرآن تناقضات و أخطاء تاريخية بل و لغوية كما زعموا أنه ليس بكتاب معجز بل يمكن للبشر أن يأتوا بمثله.
أولاً :التناقضات
و من التناقضات التي تخيلها النصارى في آيات القرآن الكريم التناقض بين قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } فهو يثبت النسخ في القرآن، و يرونه مناقضاً لقوله تعالى { و اتل ما أوحي إليك من ربك لا مبدل لكلماته } و لا تناقض فالآية الأولى تتحدث عن نسخ الله بعض الأحكام وفقاً لمصلحة العباد ، فيما تذكر الثانية أن أحداً غير الله لا يستطيع أن يبدل كلماته .
و كذا توهم النصارى تناقضاً في قوله تعالى { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } و قوله تعالى { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } وقالوا: اختلفت الآيتان في مقدار يوم القيامة. لكن شلبي لا يراه تناقضاً لأن العدد لا مفهوم له في النصين ، بل يراد منه الكثرة كما يقول الرجل: أرسلت خمسين رسالة ، و أتيتك عشرين مرة . و مراده الكثرة .
و كذا توهم النصارى تناقضاً في قوله تعالى { لا أقسم بهذا البلد } ، فرأوه مناقضاً لإقسامه به في قوله تعالى { و هذا البلد الأمين } فظنوا أن لا في الآية الأولى نافية ، و هي للتوكيد ، فتأتي في القسم كما في قوله { فلا وربك لا يؤمنون } أي أقسم بربك .
و رأى النصارى أيضاً أن ثمة تناقضاً في مفهوم القضاء و القدر في القرآن الكريم فقد جاءت آيات تتحدث عن مسئولية الإنسان عن عمله ، و يرونه مناقضاً للنصوص التي تقرر هيمنة الله على هذا الكون { فيضل الله من يشاء و يهدي من يشاء } و قوله تعالى { و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الإنس } فأبان الجزيري عن معتقد المسلمين في القدر ، و يتلخص في أن الإنسان لا يؤاخذ و لا يعاقب إلا بكسبه ، و لكن أعمال الإنسان الخيرة و الشريرة مخلوقة لله يفعلها الإنسان باختياره ، و لولا خلق الله لها لما استطعنا فعلها.
و يرى الجزيري أن قوله { فيضل من يشاء } لا علاقة له بأفعال العباد ، بل هو في باب الإخبار في أن الله قادر على أن يضل أو يهدي من يشاء بإرسال الرسل أو ترك البشرية على ضلالتها ، لكنه برحمته أرسل الرسل.
و نقل قولاً آخر يفسر الآية و هو أن الله يخلق الهداية للعبد الذي أرادها و سعى إليها ،كما يخلق الضلال لمن أراد العماية و الغواية.
و أما ما جاء عن ختم الله على قلوب العصاة و الكفرة { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم و على سمعهم } فليس معناه أنهم ولدوا كذلك و قد ختم الله على قلوبهم، بل هذا حصل لهم بمقتضى أعمالهم .
و يقرر الجزيري أن مثل هذا اللبس يمكن أن يطرح على النصارى ، فبينما جاءت نصوص تقرر مسئولية الإنسان عن عمله كما في (متى 12/ 336-37، 16/ 25) ، و غيرها جاء ما يفيد بأن الله يضل من يشاء، ففي سفر حزقيال " النبي إذا ضل و تكلم بكلام ، فأنا الرب أضللت ذلك النبي " (حزقيال 14/9) ، و قد أضل الله فرعون فقال: " إني أقسي قلب فرعون " (الخروج 7/3) ، و يقول بولس عن الله " هو يرحم من يشاء و يقسي من يشاء، فتقول لي: لماذا يلوم بعد؟ لأن من يقاوم مشيئته! بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله ؟ ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا ؟ أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة، و آخر للهوان ، فماذا إن كان الله و هو يريد أن يظهر غضبه و يبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك…" (رومية 9/18-22).
و في سفر إشعيا أن الله "مصور النور خالق الظلمة و صانع السلام و خالق الشر . أنا الرب صانع كل هذه " (إشعيا 45/7).
فهو خالق الشر بما فيه الكفر الذي يقع فيه الناس فكيف يوفقون بين هذه النصوص؟
و هكذا تعرض علماؤنا لما ساقه النصارى من نصوص توهموا منها التناقض و التعارض فأزالوا و بينوا حقيقة المراد من النصوص و ما فيها من عموم و خصوص أو ناسخ و منسوخ…
ثانياً : الطعن في عربيته وبلاغته
و ذكر النصارى أيضاً أن في القرآن ألفاظاً غير عربية كأسماء الأنبياء السابقين و بعض الأسماء المستعارة من لغات أخرى مثل: استبرق، جهنم، ماعون، سندس، مشكاة… فوجود هذه الكلمات في القرآن كما يرى النصارى يقدح في عربية القرآن بل و بلاغته.
و يرد الألوسي بأن وجود كلمات يسيرة لا تتجاوز الثلاثين غير عربية في القرآن أو في كلام عربي لا تخرجه عن عروبته ، ثم هذه الألفاظ ، و إن كانت في أصولها غير عربية فإن العرب عربتها بألسنتها فصارت عربية، و كان الإمام الشافعي يمنع أن تكون أصول هذه الكلمات أعجمية ، بل يراها عربية وإن وجدت في لغات أخرى فهي مما نقله العجم عن العرب ، و كان يقول " لا يحيط باللغة إلا نبي " .
و يرى محمد عزة دروزة أن سبب تعريب العرب لهذه الكلمات لأنها تتعلق بمسميات غير مستعملة في الحياة العربية، و صلت إلى العرب من الاحتكاك بالأمم أوزان ألفاظهم ، و ذلك قبل نزول القرآن الكريم .
و مما قاله النصارى مشككين في بلاغة القرآن و جزالته قولهم بأن في القرآن أخطاء نحوية ، و ضربوا لذلك أمثلة نورد بعضها.
و قد جهل هؤلاء أن القرآن سابق على قواعد النحو التي وضعها سيبويه و الخليل الفراهيدي معتمدين في استنباطهم لهذه القواعد على القرآن الكريم و بعض أشعار العرب فلا يمكن أن تكون هذه القواعد اللاحقة حكماً على الأصل الذي صدرت عنه.
ثم إن المتبصر العارف بلغة العرب يرى أن هذه المواضع التي أنكرها النصارى لم تخالف لغة العرب و ما عهد عنهم و إن ظهر ذلك للعامي أو الأعجمي.
فأما قوله تعالى { إن هذان لساحران } فجاءت فيه { إن } ساكنة، و هي ليست " إنّ " التي تستلزم نصب الاسم و رفع الخبر ، و يرى شلبي بأن لكلمة " هذان " توجيهان : الأول : أن اسم إن المخففة هو ضمير الشأن المحذوف ، و خبرها جملة { هذان لساحران } و الثاني: أنها للنفي بمعنى : ما هذان إلا ساحران ، و في كلا الحالين ترفع كلمة { هذان } .
و أشكل على النصارى أيضاً نصب لفظة { الصابرين } في قوله { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس } و يرى دمشقية عجمة القس شروش و هو يحتج على هذه الآية التي نصبت لفظة { الصابرين } لعطفها على قوله { و في الرقاب } أو نصبها كان بسبب فعل محذوف ، و تقدير الكلام: أعني الصابرين. و سبب الإضمار هو الإشعار بفضل الصبر.
و أما تأنيث العدد في قوله { و قطعناهم اثني عشر أسباطاً أمماً } فسببه أن التميز ليس { أسباطاً } بل: فرقة. و هي مؤنثة و وافقها العدد، و أما أسباطاً فهي بدل كل من كل .
و أما نصب قوله { المقيمين } في قوله تعالى { لكن الراسخون في العلم منهم و المؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و المقيمين الصلاة } فقد نصبت لأن الواو التي قبلها ليست بواو العطف، بل الواو المعترضة و ما بعدها نصب على المدح ، و تقدير الكلام: أعني المقيمين الصلاة .
فيما رفعت كلمة { الصابئون } في قوله { إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحاً } قال سيبويه: الرفع محمول على التقديم و التأخير ، و التقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا ….و الصابئون و النصارى كذلك ، و يورد الجزيري وجهاً آخر يجيز الرفع : أن { الصابئون } معطوفة على اسم محل إن ، و اسم إن ينصب لكنه يبقى مرفوعاً للمحل ، سواء كان محل الاسم قبل الخبر أو بعده .
و هذه الصور و غيرها مما ذكر علماؤنا يدل على جهل مثيري الشبهات من النصارى بقواعد اللغة كما يدل على عظمة القرآن و بيانه.
ثالثاً : الزعم بوجود الخطأ في القرآن
و زعم النصارى أيضاً بوجود أخطاء تاريخية في القرآن الكريم ، فذكروا أن إبراهيم هو ابن تارح و ليس آزر ، و أن الذي وجد موسى و رباه بعد أن ألقته أمه في اليم هو ابنة فرعون- و ليس زوجه -كما ذكر الكتاب المقدس،و عجبوا كيف يذكر القرآن بأن الذي صنع العجل هو السامري ، و السامرة مدينة في فلسطين لم تكن أيام موسى و وجدت بعده عام 742. ق. م ، و رأوا أن الذي صنع العجل هو هارون عليه السلام ، و اعتبر النصارى أن من الخطأ ذكر هامان على أنه وزير لفرعون ، إذ هو وزير لملك فارس كما صرح سفر استير ، و بنى صرحه ببابل و ليس بمصر (و يقصدون برج بابل).
و قد رد علماؤنا على زعم النصارى بأن ما ذكروه ليس بحجة إذ أن التوراة المحرفة لا يمكن أن تكون حجة على القرآن الكريم.
و بالنسبة لما ورد في اسم أبي إبراهيم فإن المفسرين ذكروا أن آزر هو عم إبراهيم ، و سماه القرآن أباً له ، لأن العم بمقام الأب ، وهو استعمال معهود في اللغة ، ومستعمل في المجتمعات العربية حتى الآن.
و أما تسمية القرآن لصانع العجل لبني إسرائيل بالسامري فليس نسبة لمدينة السامرة التي بنيت فيما بعد ،بل هو اسم قديم ،فالسومريون اسم لحضارة قديمة وجدت الميلاد بأربعة آلاف سنة في جنوب العراق ، واستمرت هذه الحضارة قائمة حتى عام 2000 ق.م ، وقد تميز السومريون بالمصنوعات الخزفية ، فلعل السامري الذي صنع العجل لبني إسرائيل منهم ، ومما يؤكد قدم هذا الاسم أن السامرة قد سميت بذلك نسبة لسامر الذي باع جبل السامرة بوزنتين من فضة (انظر ملوك (1)16/24) ، وعليه فإن السامري اسم لرجل كان قبل مدينة السامرة ، و ليس من دليل يمنع ذلك ، و الياء الملحقة بالاسم ليست ياء النسب ، فهي كقولنا : الشافعي .
ثم إن كلمة " السامري" في أصلها كلمة عبرانية معناها: " الحارس " فقد يكون مقصود القرآن أن الذي أضل بني إسرائيل هو المعروف بالحارس .
و أما هامان فليس هناك ما يمنع أن يكون اسماً لأحد وزراء أو مستشاري فرعون ، و لا يمكن إقامة دليل على عدم وجود مستشار بهذا الاسم أو اللقب
هذا و لم تتحدث التوراة عن الصرح الذي طلب فرعون بنائه ، و أما المؤرخون فإن منهم من يقول بأن البناء قد تمّ ، ثم دكه الله فليس هو برج بابل .
و أرى أن القرآن لم يتحدث عن بناء الصرح و إن ذكر جرأة فرعون على الله و استخفافه بقومه بأن أوهمهم بأنه إذا بنى الصرح سيغالب الله، لكن كما قال المفسرون فإن فرعون أعقل من أن يجهل عظمة الله ، و لن يجهل ضعف مثله و قعوده عن مقام الربوبية.
رابعاً : الزعم بوجود مبالغات في القرآن
و في نقد النصارى للقرآن ذكروا أن فيه مبالغات و أموراً هي للأسطورة منها أقرب للحقيقة ، و مثل القس شروش لذلك بما جاء في قصة الرجل الذي أماته الله و حماره مائة عام ، ثم بعثه ، و تساءل عن الحكمة من بعث الحمار ، و ذكر أيضاً باللمز والسخرية استخدام سليمان للجن و وصف الصرح الذي دخلته ملكة اليمن ، و مثله مسخ البشر إلى قردة و خنازير .
و مثل هذه الإخبار لم يقم دليل ينهض بتكذيبها، و غرابتها غير كافية للحكم بردها ، ثم قد وقعت في موقع الأعجوبة المعجزة أو العقوبة الإلهية المتناسبة مع عظم الضلال الذي وقع به بنو إسرائيل قتلة الأنبياء ،فكان من المناسب أن يعاقبوا بعقوبة يشعرون بمرارتها طويلاً ، ولو أماتهم حينذاك لكان في الموت راحة لهم ، ومسخهم عقوبة أبلغ في لبعقوبة ، و الله على كل شيء قدير.
و أما مسخ عصاة بني إسرائيل إلى قردة و خنازير الوارد في قوله تعالى { و جعل منهم القردة و الخنازير و عبدة الطاغوت } فقد ذكر العلماء له معنيين : أولهما أن المسخ كان مسخاً للقلوب فقط أي أنه مجازي.و ثانيهما: و هو قول جمهور المسلمين أنه مسخ حقيقي . و أياً كان فإن النصارى الذين يقولون بتقمص الخالق للمخلوق لا يليق بهم أن يعترضوا على مثل هذه العقوبة الإلهية ، كما أن المسيح يورد ما يفيد جواز وقوع هذا المعنى فيقول:" إن الله قادر على أن يحول هذا الحجر إنساناً " (انظر متى 3/9)
المحور الرابع : حول إعجاز القرآن الكريم
و إبطالاً لمعجزة القرآن فإن النصارى يرون بأن قوة الكتاب اللغوية و جزالته ليست بكافية للحكم بنبوة صاحبه ، و يذكرون بأنه قد كان في الدنيا أعمال أدبية صدر بعضها من أناس لا يعرفون القراءة و الكتابة كالإلياذة اليونانية و التي يقال بأن كاتبها هو الأعمى هوميروس، و كذلك الحال في قوانين حمورابي و المعلقات السبع للعرب.
و المسلمون لا يقولون بأن فصاحة كتاب و بلاغة كاتب دليل على نبوته ، بل يرون أن القرآن ظهر في أمة تتفاخر بنظمها و نثرها ، فدعاهم لمعارضة القرآن، فعجزوا ، فدعاهم ليأتوا بمثل سورة منه ، فعجزوا لمعرفتهم بعظمة هذا الكتاب ، و قد عرفوا قعودهم عن الإتيان بمثله ، و لو كانوا يرون في المعلقات السبع أو غيرها ما يقارب القرآن في نظمه لقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، و لكسبوا منه التحدي، لكنهم في الحقيقة عجزوا عن مقارعته ، و أقر الوليد بن المغيرة - و هو للنبي صلى الله عليه وسلم عدو و خصم - أقر بعظمة القرآن فقال: " قد سمعت من محمد أنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس و لا من كلام الجن ، و إن له لحلاوة ، و إن عليه لطلاوة ، و إن أعلاه لمثمر ، و إن أسفله لمغدق، و إنه يعلو و لا يعلى عليه ، و إنه ليحطم ما تحته " و لذلك لم يجدوا أمام بيان القرآن إلا أن يقولوا { إن هذا إلا سحر يؤثر } .
ثم إن إعجاز القرآن لا يتوقف على بلاغته فقط، يقول نديم الجسر:" إن إعجاز القرآن لا يقوم على بلاغته فحسب كما يظن البعض ، و لكن يمتد إلى ما فيه من آيات معجزات تحمل لعلماء الطبيعة أسراراً من حقائق الطبيعة، و لعلماء الاجتماع أسراراً في نواميس المجتمع ، و للفلاسفة أسراراً من حقائق الوجود، و لعلماء التاريخ أسرار من دقائق الأخلاق[ هكذا ]، و علماء النفس أسراراً من قواعد علم النفس ، و لعلماء التربية أسراراً من أساليب التربية.
و سر الإعجاز في تلك الآيات أنها نزلت على رسول الله محمد النبي الأمي وليد البيئة الأمية قبل قرون طويلة من انكشاف أسرار العلم التي وصلنا إليها اليوم " .
و بقي التحدي القرآني يدعو أرباب الفصاحة للإتيان بمثل هذا القرآن ، فما قدر على معارضته أحد على كثرة الأعداء ، و توافر البلغاء ، لكن القس أنيس شروش يرى أن هناك من لبى تحدي القرآن ، فيقول: " أذكركم أن شعراء قبل محمد (!) و بعده لبوا هذا التحدي ".
و لم ينقل لنا شروش من هذه المحاولات سوى ما ذكره من اقتباس من إحدى المحاولات الحديثة ، و قامت به " مجموعة صغيرة من المفكرين في أورشليم عملوا لتحقيق مشروع عمره 16سنة " ، و المشروع كما يظهر في السياق الآتي هو محاولة لصياغة الإنجيل على محاكاة القرآن ، و قد عرض لنموذج منه القس شروش فقال:" بسم الله الرحمن الرحيم. قل يا أيها الذين آمنوا إن كنتم تؤمنون بالله حقاً فآمنوا بي و لا تخافوا. إن لكم عنده جنات نزلاً. فلأسبقنكم إلى الله لأعدها لكم ، ثم لآتينكم نزلة أخرى ، و إنكم لتعرفون السبيل إلى قبلة العليا. فقال له توما الحواري: مولانا إننا لا نملك من ذلك علماً. فقال له عيسى: أنا هو الصراط إلى الله حقاً ، و من دوني لا تستطيعون إليه سبيلاً ، و من عرفني فكأنما عرف الله ، و لأنكم منذ الآن تعرفونه و تبصرونه يقيناً ، فقال له فيليب الحواري : مولانا أرنا الله جهرة تكفينا، فقال عيسى: أو لم تؤمنوا بعد و قد أقمت معكم دهراً ؟ فمن رآني فكأنما رأى الله جهراً "…النص مأخوذ من إنجيل ( يوحنا 14/1-6 ) إنه نص جميل بلغة عربية جميلة ".
ثم عرض القس قولين آخرين اعتبرهما من بلاغة العرب التي حاذت أو فاقت بلاغة القرآن ، فقال: "مثال آخر لعلي بن أبي طالب : إنما الدنيا فناء ليس للدنيا ثبوت ، و إنما الدنيا كبيت نسجه العنكبوت "، و القول الثاني : " كيفية المرء ليس يدركها ، فكيف كيفية الجبار في القدم ، هو الذي أنشأ الأشياء مجتمعاً فكيف يدركه مستحدث النسم ؟ ".
و كتب من قبل مسيلمة "نقي كما تنقين ، لا الماء تدركين ، و لا الشراب تمنعين" و قال أيضاً :" ألم ترى كيف فعل ربك بالحبلى ، أخرج من بطنها نسمة تسعى ، من بين شراشيف و حشى " فيما قال النضر بن الحارث و كان من فصحاء قريش : " و الزارعات زرعاً. و الحاصدات حصداً. و الطاحنات طحناً. و العاجنات عجناً. و الخابزات خبزاً…." .
و كان الأقدمون قد عرفوا قدر معارضات مسيلمة و النضر فزادت يقينهم بالقرآن و إعجازه ، و ما على نصارى اليوم إلا أن يعرضوا جهد ستة عشر عاماً قامت به مجموعة من المفكرين بإعادة صياغة نص قديم، ثم يضعوه إزاء أسلوب القرآن الكريم لتظهر الثريا من الثرى. و قد صدق ابن المقفع عندما أراد معارضة القرآن ، ثم رأى عجزه عن مثل هذا البيان فقال: أشهد أن هذا لا يعارض، و ما هو من كلام البشر. ، و مثله صنع يحيى الغزال بليغ الأندلس .
و كان علماؤنا من قبل قد نقدوا أساطين الشعر العربي في الجاهلية و بعد الإسلام و بينوا ما تخلل شعرهم من نقص البشر و سوء التعبير ، و من ذلك نقد الباقلاني لمعلقة امرئ القيس .
و يكفي أن نعرض المقارنة و الدراسة نموذجاً سريعاً لمعنى جاء به القرآن و قالته العرب في حكمتها، فإن الناظر فيهما يقف على الفارق بين كلام البشر و كلام رب البشر ، فقد قالت العرب في قتل القاتل " القتل أنفى للقتل "، و قال القرآن { و لكم في القصاص حياة } .
و يحكي الدكتور إبراهيم خليل في كتابه" لماذا أسلم صديقي، و رأي الفاتيكان في تحديات القرآن " يحكي قصة طبيب مصري مسيحي قرر كتابة كتاب يرد فيه على تحدي القرآن ، يعنون له بعنوان : "و انتهت تحديات القرآن " .
و قد كتب الطبيب المصري رسالة ، و أرسل صورة منها إلى ألفي عالم أو معهد أو جامعة ممن تخصصوا بالدراسات العربية و الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وكان مما سطره في خطابه قوله :" القرآن يتحدى البشرية في جميع أنحاء العالم في الماضي و الحاضر و المستقبل بشيء غريب جداً ، و هو أنها لا تستطيع تكوين ما يسمى بالسورة باللغة العربية…السورة رقم 112 ، و هي من أصغر سور القرآن ، و لا يزيد عدد كلماتها عن 15 كلمة ، و يتبع ذلك أن القرآن يتحدى البشرية بالإتيان بـ(15) كلمة لتكوين سورة واحدة كالتي توجد بالقرآن….
سيدي: أعتقد أن مهاجمة هذه النقطة الهامة و الخطيرة ، و ذلك بالإتيان بأكبر عدد ممكن من السور كالتي توجد، أو - آمل أن تكون - أفضل من تلك الموجودة بالقرآن سيسبب لنا نجاحاً عظيماً لإقناع المسلمين بأنا قبلنا هذه التحديات ، بل و انتصرنا عليهم….فهل تتكرم يا يدي مشكوراً بإرسال 15 كلمة بالغة العربية أو أكثر من المستوى البياني الرفيع مكوناً جملة كالتي توجد في القرآن…".
و قد أثبت إبراهيم خليل العناوين الألفين التي أرسل لها الخطاب ، و تكررت محاولة الطبيب المسيحي أربع مرات طوال سنة 1990م .
فكانت محصلة ثماني آلاف رسالة أرسلها أن وصلت إليه ردود اعتذار باهتة عرض صورها إبراهيم خليل ، منها اعتذار كلية الدراسات الشرقية و الإفريقية في جامعة لندن فقد كان ردها :" آمل أن نتفهم أن كليتنا و أعضاؤها يرفضون الخوض في المنازعات الدينية ، و بالتالي فإنه لا يمكننا إجابة طلبك "، و أما رد إذاعة حول العالم (مونت كارلو) فكان " الموضوع الذي طرحته موضوع هام ، لكننا كإذاعة لا نحب أن ندخل في حمى و طيس هذه المعركة ، إذ لا نظن أنها تخدم رسالة الإنجيل، فرسالتنا هي رسالة محبة ، و ليست رسالة تحدي…".
و أما رد الفاتيكان فقد جاء فيه "بوصفنا مسيحيون فنحن 0لا نقبل بالطبع أن يكون القرآن هو كلام الله على الرغم من إعجابنا به حيث يعتبر القمة في الأدب العربي..و لقد أخبرني زميل مصري بأن أفضل أجزاء القرآن تذكره بأجزاء من الكتاب المقدس ، و لكن هذا بالطبع لا يعني أنه أوحي به من عند الله كما هو الحال في الكتاب المقدس ، و هناك نقطة عملية تعوق مسألة الإتيان بسورة من مثل القرآن ، و هي : من ذا الذي سيحكم على هذه المحاولة إن تمت بالفعل…" و لذلك اعتذروا عن إجابة طلبه ، فأعاد المراسلة جميع معاهد و مؤسسات الفاتيكان طالباً إجابة التحدي ، وعرض أن يكون هو الحكم بين القرآن والفاتيكان ، و طلب من الأب " ليو" في الفاتيكان أن ينقل أي جزء مكون من 15 كلمة من الكتاب المقدس ليعارض بها القرآن ، فكانت الإجابة مشابهة لإجابة المئات الذين لم يردوا على الطبيب، بل صمت مدقع .
{ فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين }
و كنموذج للإعجاز القرآني عرض إبراهيم خليل لكلمة " علق " الواردة في قوله تعالى { خلق الإنسان من علق } فلمادة " علق " في اللغة واحداً و ثلاثين معنىً ذكرها ابن منظور في قاموسه " لسان العرب "، و هذه المعاني كما يرى إبراهيم خليل تنطبق جميعاً على الإنسان فقد " و صفت جميع صفات الإنسان التشريحية و الفسيولوجية و النفسية و العاطفية و الاجتماعية منذ كان جنيناً في بطن أمه حتى صار رجلاً يحب و يكره…
فالإنسان بحق من علق قد خلقه الله من السائل المنوي (العلوق) ، وعلقت بأمه (حملت به) ، فأصبح علقة (كدودة حمراء تكون في الماء تعلق بالبدن و تمتص الدم ثم إذا خرج من بطن أمه احتاج إلى الشراب و اللبن و الطعام (العليق و العلوق) ، و يطلق العلق أيضاً على ما يتبلغ به من العيش.
و الإنسان شديد الخصومة محب للجدل (علاقي معلاق)يكره (امرأة علوق) و يحب (علقت منه كل معلق)…إلى آخر تلك المعاني التي فصلت خصائص الإنسان و أطوار حياته الأولى.
و صدق العلماء الذين درسوا إعجاز القرآن حين قالوا:" إن القرآن رغم إيجازه المعجز في عدد كلماته، بل و في عدد حروفه إلا أن المعاني التي تجيء بها كل كلمة فيها إرباء و إنماء و زيادة ، أي أن كل كلمة تولد ، و تعطي من المعاني ما لا يحصر له ".
و مرة أخرى سارع الطبيب النصراني إلى مراسلة كليات و معاهد العالم طالباً منهم أن يأتوا بكلمة بديلة لـ" علق " تقوم مقامها أو تعطي نصف المعاني التي تعطيها كلمة " علق " ، و مرة أخرى لا مجيب !!
المحور الخامس : الزعم بأن القرآن أيد المعتقدات المسيحية
و أثار النصارى في وجه علمائنا شبهة تأييد القرآن لعقائد النصرانية كألوهية المسيح و صلبه و التثليث و مثله قولهم بأن القرآن شهد بسلامة كتب النصارى من التحريف.
و قد تداول النصارى هذه الشبهة قروناً متعاقبة ، و قد انبرى للرد عليها علماء الإسلام من قبل القرافي و الطوفي و ابن تيمية ، و ما يزال النصارى حتى يومنا هذا يثيرون هذه الشبهات متأولين ومحرفين لبعض النصوص القرآنية ، و قد كان هذا الاتجاه واضحاً في كثير من الكتابات التي دسها النصارى بين أبناء المسلمين يدعون فيها أن القرآن الكريم قد وافقهم في هذه المسائل و من هذه الكتابات " منار الحق " الذي تبنت نشره الكنيسة المصرية ، و كتاب " استحالة تحريف الكتاب المقدس" لوهيب خليل ، و أسهم فيه الأنبا شنودة الذي كتب كتابه " القرآن والمسيحية "، و منها كتاب " الباكورة الشهية في الروايات الدينية " و لم يذكر اسم مؤلفه ، و صدر عن مطبعة النيل المسيحية عام 1926م.
و أصدر الأب إبراهيم لوقا كتابه " المسيحية في الإسلام "و نيقولا غبريل كتابه" أبحاث المجتهدين في الخلف بين النصارى و المسلمين " و كتب أسقف آخر من البروتستانت لم يذكر البغدادي اسمه كتاب " الأقاويل القرآنية في الكتب المسيحية " ، و كتب القمص زكريا بطرس رسالته " بين المسيحية و الإسلام ".
و في كتابه " أديان العالم " كتب حبيب سعيد مبحثاً عنون له " عقيدة الثالوث في الإسلام "، و ينقل محمد جمعة عن المبشر جون تاكلي قوله:" يجب أن نستخدم القرآن، و هو أمضى سلاح ضد الإسلام نفسه، بأن نعلم المسلمين بأن الصحيح في القرآن غير جديد ، و أن الجديد فيه غير صحيح " .
و يقول المنصر الإنجليزي برجس : " يجب أن نستخدم القرآن ضد الإسلام نفسه حتى نقضي عليه ، و سواء كانت الوسيلة هي الكذب أم الزيف ، فالمهم أن نثير في أنفسهم الشك ، و أن نطفئ في قلوبهم جذوة الإيمان بهذا الكتاب الذي يتفوق في جاذبيته و تأثيره على أي كتاب مقدس عرفه الناس من قبل " .
دعوى تأييد القرآن لألوهية المسيح :
و كان أهم المسائل التي تنادى بها النصارى للاستدلال عليها من القرآن ألوهية المسيح ، و قد تعلق النصارى بقول الله تعالى عن المسيح { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه } ، و قوله لمريم { إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم } يقول البابا شنودة عن لفظي " روح الله و كلمة الله " اللتان وردتا في حق عيسى : " و أياً كانت النتيجة فإن هذين اللقبين يدلان على مركز رفيع للمسيح في القرآن لم يتمتع به غيره" فالنصارى يفسرون الكلمة بالمفهوم اليوناني القائل بأن الكلمة هي العقل الإلهي الضابط لحركات الموجودات ، فمادام المسيح هو كلمة الله أي عقله ، فهو أزلي لا ينفصل عن ذاته و لا يتخلف عنه في الوجود ابتداء ، و يقول القمص إبراهيم لوقا في رسالته عن التثليث :"إنه لا فرق بين الله و كلمته، كما لا فرق بين الإنسان و كلمته " .
و أما روح الله فهي عندهم جزء من ذاته كحال البشر فإذا وصف المسيح بها دل ذلك على ألوهيته.
و يضيف النصارى إلى هذين اللقبين ما جاء في القرآن من وصف لميلاد المسيح و معجزاته الباهرة و تلقيبه بالمسيح…يقول البابا شنودة : " لم يقتصر الأمر على كنه المسيح أو طبيعته من حيث هو كلمة الله و روح منه ألقاها إلى مريم ، و إنما الطريقة التي ولد بها و التي شرحها القرآن في سورة مريم كانت طريقة عجيبة معجزية لم يولد بها أحد غيره من امرأة. زادها غرابة أنه يكلم الناس في المهد. الأمر الذي لم يحدث لأحد من قبل و لا من بعد " ، ثم يتحدث عن معجزات المسيح و يقول " لماذا يختص بهذه المعجزات التي لم يعملها أحد، و التي هي من عمل الله ذاته " .
و يلحظ علماؤنا اجتزاء النصارى للنصوص التي أيدوا بها منطقهم ، فالآيات التي تحدثت عن المسيح فوصفته بأنه:" روح منه أو كلمة " وردت في سياق ذم النصارى و تثليثهم لا تأكيد عقائدهم ، فالآية من أولها: { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم و لا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه فآمنوا بالله و رسله و لا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات و ما في الأرض و كفى بالله وكيلاً * لن يستنكف المسيح أن يكون عبد لله…} فوصفته الآيات أيضاً بأنه رسول الله و أنه عبده.
و عندما تحدث القرآن عن المعجزات المسيح تحدث عن أنها وقعت بإذن الله ، فأهمل النصارى ما تناقض غرضهم ، و لما ذكر ميلاد المسيح العجيب ذكر أيضاً ميلاد آدم الذي يشبهه في بعض الوجوه ، و كما تحدث عن أعجوبة كلامه في المهد، ذكر بأنه قال { آتاني الكتاب و جعلني نبياً }
و مثل هذا الاجتراء على النص القرآني و الانتقاء منه صنعه الحداد الخوري حين أورد قول الله { إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } أوردها كدليل على بنوة المسيح لله. و أعرض عن الآية التي تليها فلم يذكرها و هي قوله { سبحان رب السماوات و الأرض رب العرش عما يصفون } ، و لا ريب أن هذا الصنيع يدل على عدم دلالة النصوص على ما يرومونه إلا باجتزائها، و هو صنيع مجاف لروح البحث عن الحقيقة و احترام الدليل.
و عند النظر في تلك الأجزاء التي أوردها النصارى كشف علماؤنا لبس النصارى في استدلالهم.فبخصوص" الكلمة " فإن الأطير ينبه إلى أن الآيات لم تصف المسيح بالكلمة كما هو الأقنوم الثاني من الثالوث، بل سمته كلمة { بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم } و قال { و كلمته ألقاها إلى مريم } .
و سبب تسمية المسيح " كلمة "جاء لأحد أمور ذكرها المفسرون و نقلها أصحاب الردود الإسلامية.
أ- أن المسيح لم يخلق وفق ناموس الطبيعة المعتاد ، بل خلق بأمر التكوين الإلهي " كن" فكان ، فقد خلق بكلمة الله التي ترجع إليها جميع المخلوقات التي ننسبها إلى السبب القريب (الأبوة) ، بينما المسيح ليس له سبب قريب فينسب إلى السبب الأصل الذي نشأ عنه وجوده.
فإن اعترض النصارى و قالوا: إذاً لماذا لم يسم آدم أيضاً كلمة من الله ؟ فيجيب عبد الرحيم محمد بأن سبب ورود ذلك في حق المسيح دون آدم أن ميلاد آدم لم يثير تلكم الريبة التي وجدناها في ميلاد المسيح عندما ولد من غير أب ، فقال القائلون : هو ابن الله .و قال آخرون : ابن زنى . و سوى ذلك فاستلزم بيان سبب وجوده ، و أنه ليس بذاك و لا ذا ،بل هو مخلوق بكلمة الله.
ب_أن المقصود بالكلمة البشارة التي بشر الله بها مريم.
ج- و ذكر السقا بأن المراد بأن المسيح يتكلم بكلام الله ، فسمي بذلك كلمة .
و نبه علماؤنا بأن معنى الكلمة بمعنى أنها صفة الله المتولدة عنه أو أقنومه الثاني لم ترد في القرآن الكريم و لا في الكتب المقدسة سوى ما جاء في مقدمة يوحنا.
و تتبع علماؤنا مع التمثيل معاني " الكلمة " في الكتاب المقدس فوجدوها لا تخرج عن معانٍ: القول ، الوعد ، العقيدة ، التعليم ، الحكم ، المخلوق ، النظام أو الناموس. و ليس في كتب النصارى إطلاق لفظة الكلمة بمعنى : الإله المتجسد أو صفته المنفصلة عنه، أو المولودة … و قريباً من هذه المعاني استعملت لفظة " الكلمة " في السياق القرآني .
و أما قوله تعالى { وروح منه } فلفظة (منه) فيه ليست تبعيضية كما قال النصارى ، بل هي لابتداء الغاية أي أن المخلوق بدأ من الله، أو هي للبيان أي أن هذه الكلمة من الله، و ليست من الشيطان أو من غيره كما يقول اليهود في المسيح عليه السلام.
و أما قوله { ألقاها إلى مريم } فهو إلقاء مجازي كما يقال: فلان ألقى كلمة أو أمراً ، و مثله جاء في التوراة و الإنجيل (انظر الخروج 15/4، المزمور 50/16-17، مرقس 21/1).
ووصف المسيح بأنه روح منه يعني أن المسيح من روح الله، فـ(من) ليست تبعيضية ، بل هي -كما سبق - بيانية أو لابتداء الغاية، كما قيل في آدم { و نفخت فيه من روحي } و قال تعالى عن سائر المخلوقات { و سخر لكم ما في السماوات و الأرض جميعاً منه } .
و كلمة الروح وردت في القرآن بمعنيين :
الأول : جبريل عليه السلام
و الثاني : القوة و التأييد الإلهي
ويرى المطعني أنه يصح أن يقال بأن المقصود بالروح هو النفخ كما جاء في شعر ذي الرمة " و أحيها بروحك " أي أشعلها بنفخك . و يرى السقا أنه يصح أن يقال بأن معنى { روح منه } هو إلهام منه ، و كما ورد هذا الاستعمال أيضاً في مواضع متعددة في الكتاب المقدس.
و أياً كان معنى الروح فإن عبد السلام محمد يؤكد بأنه حتى النصارى لا يقولون بأن المسيح هو روح القدس .
و ينقل عن سعيد الحاوي في كتابه " البرهان القويم في إثبات الثلاثة أقانيم " قوله: " الروح القدس المتحد مع الأب و الابن أقنوم خاص مميز له عن أقنوميهما ، فهو أقنوم ثالث في اللاهوت ".
و يقول ياسين منصور في رسالته " التثليث و التوحيد " عن الروح القدس :"هو ذات حقيقي و شخص حي و أقنوم متميز لكنه غير منفصل ، و هو أقنومية غير أقنوم الأب و غير أقنوم الابن ، و هو نظير الأب و الابن و مساوٍ لهما " .
و زعم البعض من النصارى أن المسيح هو الحمل الفادي الذي ذكره القرآن في ثنايا قصة الذبيح في قوله تعالى { و فديناه بذبح عظيم } . و مما لا خلاف فيه عند المفسرين أن الذبح هو كبش فدى الله به إسماعيل.
و بمثل هذا التمحل للنصوص فعلوا عندما فسروا قول الله { قلنا اهبطا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون } فقد زعم صاحب كتاب " الحق " أن الهدى المراد بالآية هو المسيح .
و ما نبه إليه عبد السلام محمد آنفاً يصح في حق الكاثوليك ، و لا يصح في دفع مذهب الأرثوذكس الذين يرون أن الله هو المسيح و أنه روح القدس. و أما ميلاد المسيح و معجزاته و نجاته و رفعه إلى السماء و تخصيصه باسم المسيح ، فكل ذلك لا يخرج به عن مقام العبودية التي أوضحها القرآن الكريم بجلاء لا يقبل اللبس ، و قد سبق بيان ذلك حتى في كتب النصارى.
دعوى تأييد القرآن لعقيدة التثليث :
و عقيدة التثليث التي لم يجد لها النصارى دليلاً في كتبهم المقدسة زعموا أنها موجودة في القرآن الكريم، و استدل لذلك حبيب سعيد في كتابه " أديان العالم " بالنصوص التي تذكر الله بصيغة الجمع أي جمع التعظيم كما في قوله تعالى { و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } .
و استدل آخرون بصيغة البسملة فاعتبروها صيغة مثلثة . يقول وهيب عزيز خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس " : " البسملة المسيحية كالآتي: بسم الآب و الابن و الروح القدس ، و البسملة الإسلامية: بسم الله الرحمن الرحيم…و هاتين البسملتين هما صورة طبق الأصل من بعضهما ، فالمسيحية تعرف الأقنوم الأول بالأب ، بينما الإسلام يعرفه بالله ، و المسيحية تعرف الأقنوم الثاني بالابن بينما يصفه الإسلام بالرحمن… " و يزعم الحداد الخوري أن ما جاء في القرآن من تكفير المثلثة كما في قوله { و لا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد } و قوله { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } ، يزعم أن هذه النصوص وردت في غير ثالوث النصارى ، فيقول الحداد:" إن تقرير القرآن بكفر من يقول : إن الله هو المسيح ابن مريم ، و إن الآلهة ثلاثة ، و إن الله ثالث ثلاثة ، و إن هناك من يتخذ مريم إلهاً مع ابنها ، ليس موجهاً لجميع النصارى ، و إنما هو لبعض طوائفهم ".
و عليه فإن الخوري يرى أن التكفير متوجه إلى اليعاقبة الأرثوذكس أو للقائلين بأن مريم أحد أطراف الثالوث ، أما سواهم من أهل التثليث فلا يكفرون.
و في الإجابة عن هذه الشبهة رأى علماؤنا تمحلاً في الاستدلال من النصارى لا يقبل ، فالبسملة فيها تكرار لصفات الواحد ، فالله هو الرحمن ، و هو الرحيم ، و هو الملك ، و هو القدوس… و له جل و علا تسعة و تسعين أسماً ، بل وله أسماء أكثر من ذلك ، لكنه ذات واحدة.
و أما ثالوث النصارى فالآب فيه ليس الابن و لا الروح القدس ، بل لكل ذاته المستقلة و خصائصه فالابن ابن الآب و ليس الأب أباً لنفسه ، و قد ربط النصارى بين أطراف الثالوث بالواو العاطفة التي تقتضي المغايرة ، فعطفهم إذاً عطف ذوات و ليس عطف صفات.
و لو صح مثل هذا السبيل في الاستدلال لكان قوله { الرحمن الرحيم } دليلاً صحيحاً لمن يقول بثنائية الله، و تكون خواتيم سورة الحشر دليلاً لمن يؤمن بتعدد الآلهة.
و أما تعلق النصارى بالألفاظ التي تحدثت عن الله بصيغة الجمع فهو مردود لأن الجمع فيها جمع تعظيم و ليس جمع تعداد ، و هو معهود في كلام الأمم ، كما ورد في القرآن آيات تحدثت عن الله فذكرته بصيغة الإفراد كقوله { إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } .
و قد ورد الإفراد والجمع جنباً إلى جنب في سورة العلق ، ففي أولها { اقرأ باسم ربك الذي خلق } و في آخرها { سندع الزبانية } .
و هذا المعنى اللغوي لا يحتاج إلى كثير علم و فهم لإدراكه .
| |
|
| |
المحارب اليقظ مشرف
عدد المساهمات : 219 تاريخ التسجيل : 19/12/2009
| موضوع: الخاتمة الثلاثاء يناير 17, 2012 12:14 am | |
| وبعد أخلص من كل ما سبق إلى نقاط هامة عدة :
1 - أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير لاينضب بتطاول الزمان وانصرام القرون .
2 - المسيحية دين نحله بولس ومن بعده عن الوثنيات القديمة ، فاقتبسوا منها عقائد النصرانية المختلفة : تجسد الإله .موت الإله كفارة للخطايا . واختصاص الصليب بهذا الموت. عقيدة الثالوث الموحد . العشاء الرباني …..
3 - النصرانية الحقة دين الله الذي أنزله على نبيه عيسى عليه السلام ،وهو دين التوحيد الخالص الذي نؤمن به كما نؤمن بالتوراة والإنجيل اللذين أنزلهما الله عز وجل وملؤها الهدى والنور وهذا الهدي لم تندرس آثاره إلى اليوم من الكتب المقدسة عند النصارى ،حيث يظهر التوحيد فيها جلياً كالشمس في رابعة النهار ،في حين لا تكاد هذه الكتب تدل على التثليث إلا بالتحريف والتعسف والتمحل في الفهم والاستدلال ..
4 - الأسفار المقدسة بين يدي النصارى اليوم كتب لايعلم على وجه التحديد من كاتبها ، وهي كتب سيرة وتاريخ لم يزعم كتابها المجهولون أنهم يقدمون من خلالها كلمة الله ، وإن زعم النصارى أنها كتبت بإلهام .فإن التأمل بهذه الكتب يكشف زيف هذه الدعوى ، ويثبت بشرية هذه الكتب وخلوها عن الوحي وهدي النبوات .
5 - هذه الأسفار المقدسة قدسها البشر ومنحوها في مجامعهم صفة القدسية والعلوية عبر مجامع عدة رفضت بعض هذه الأسفار ، ثم أقرتها ، وما يزال بعضها مرفوضاً إلى يومنا هذا بعد أن كان مجمعاً على قداسته .
6 - الأسفار المقدسة عند النصارى لا تدل على الكثير من معتقدات النصارى ، بل هي في كثير من المسائل تنقض معتقدات القوم وتكشف زيفها وعوارها .ويعود ذلك لصدور النصارى بهذه العقائد عن فكر بولس المرفوض عند سائر التلاميذ أو عن المجامع المتأخرة التي صاغت العقائد تبعاً للفلسفات المختلفة .
7 - في الأسفار التي يتناقلها النصارى أثارة من نور الأنبياء تشهد لله بالتوحيد ولنبيه محمد بالرسالة ، ولليهود بالفسق والتحريف والتبديل .
8 - صلب المسيح أمر زعم النصارى وقوعه، وادعوا عليه التواتر بين الأمم، وقد أثبت علماؤنا وبعشرات النصوص الكتابية بطلان هذه القصة ونجاة المسيح من الصلب المزعوم.
9 - عقيدة الفداء والخلاص وهم آخر تعلق به النصارى من غير مادليل صريح عن المسيح عليه السلام، وقد أثبت علماؤنا بطلان هذا المعتقد بالأدلة الكتابية والعقلية.
10 - شبهات النصارى عن الإسلام تنبع من الكذب الفاضح أو التلبيس الخادع أو الجهل المطبق بطبيعة وأصول هذا الدين .
11- جهود علماء القرن الرابع عشر خلاصة مباركة استثمرت جهود السابقين ، وأضافت عليها من المعطيات الجديدة ما أثرى الجدل الإسلامي النصراني في هذا القرن .
12- الدافع الذي دفع علماءنا لخوض الجدل مع النصارى إيمانهم بواجب البيان والتبليغ ، وإدراكهم للخطر الذي تشكله المؤسسات الاستعمارية النصرانية والهجمة التبشيرية الشرسة على بلاد المسلمين المختلفة .
13- جهود علمائنا المباركة تركزت في فني التأليف والمناظرة ، وقد أبدى علماؤنا في كل من الفنين ما يليق بمن يحمل سلطان العلم والحق والدليل .
والله ولي كل خير ويهدي إلى كل بر وهو وحده المستعان .
| |
|
| |
| شبهات النصارى حول الإسلام، كتاب كامل للدكتور منقذ السقار | |
|